ويقال للنصارى: ما تقولون فيمن اخترم قبل مجيء المسيح، أكفاراً كانوا أم مؤمنين؟
فإن قالوا: مؤمنين، فقد سَلَّموا أنه لا حاجة إلى قتل المسيح في تخليصهم، إذ إيمانهم هو الذي خلصهم.
وإن قالوا: بل كانوا كفاراً، أكذبهم المسيح إذ يقول في الإنجيل: "إني لم أرسل إلاّ إلى الذين ضلّوا من بيت إسرائيل، وإن الأصحاء لا يحتاجون إلى الدواء"1.
ثم نقول لهم: ألستم تزعمون أن المسيح إنما تجشَّم ونزل من السماء لخلاص معشر الناس كما عقدتم في الأمانة التي لكم؟!
فإذا قالوا: بلى. قلنا لهم: فما قولكم فيمن مات قبل نزوله عليه السلام؟!. وكيف الطريق إلى بلوغ دعوته إليهم؟!.
فإن قالوا: تعذّر تلافي أمره وفات استدراكه بموته. قلنا لهم: جوَّزتم المسيح ونسبتموه إلى الظلم والحيف حيث لم ينْزل لخلاصهم قبل موتهم، فلِمَ أخَّر ذلك حتى اخترموا على الكفر والضلال؟! وكيف صار الأحياء أحقّ برحمة المسيح عندكم من الأموات؟ وفي هذه المقالة / (1/149/أ) هدم أصلكم في التحسين والتقبيح، وإن تحامقوا وقالوا: إن المسيح لما جاء دعا الأحياء وهو حيّ، ثم مات فدعا الأموات في أجداثهم، فمن أجابه نجى ومن أبى هلك
... ، فنقول: أدعاهم في أجداثهم وهو حيّ أم دعاهم وهو ميّت؟!.
فإن قالوا: دعاهم وهو ميّت، سقطت مكالمتهم لتبيّن جنونهم.
فإن قالوا: دعاهم وهو حيّ، نقضوا قولهم أنه مات فدعا الأموات.
ثم يقال لهم: هب أنا ساعدناكم على هذا المحال، فهل لما أتى الأموات دعا المؤمنين والكفار أو اقتصر على دعاء المؤمنين فقط؟!