بكتابك، وقال تعالى عن مريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} فجعل التصديق بالكلمات والكتب.
فإنه يقال: الإيمان بالله، وآمن بالله، ونؤمن بالله، ويا أيها الذين آمنوا، فآمنوا بالله، ولا يقال: التصديق بالله، أو صدقوا بالله، أو يا أيها الذي صدق بالله، وهذا فرق ثالث في المعنى (1).
ومن الفروق الهامة أيضًا: أن لفظ الإيمان يقابله لفظ الكفر، وأما لفظ التصديق فيقابله لفظ التكذيب، لأن الكفر ليس محصورًا في التكذيب فقط، فوجب أن يكون ما يقابله -وهو الإيمان- ليس محصورًا في التصديق، وهذا فرق رابع في المعنى (2).
المقام الثاني: مع التسليم بأن الإيمان هو التصديق:
ومع صحة القول بأن الإيمان هو التصديق، فالكلام لا يخرج -كما ذكر شيخ الإسلام- عن أمرين اثنين:
الأول: أن التصديق ليس بالقلب فقط، بل بالقول والعمل أيضًا، كما في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: "والفرج يصدق ذلك أو يكذبه".
وكما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "ليس الإيمان بالتمنى، ولا بالتحلي، ولكنه ما وقر في المصدر، وصدقه العمل" (3).
الثاني: أن الإيمان -وإن كان هو التصديق- فهو تصديق مخصوص، كالصلاة -وهي في اللغة الدعاء- إلا أنها في لغة الشارع دعاء وعمل مخصوص (4).
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله موضحًا: "أنه لو فرض أن الإيمان في اللغة التصديق، فمعلوم أن الإيمان ليس هو التصديق بكل شيء، بل بشيء مخصوص، وهو ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحينئذٍ فيكون الإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة" (5).