فدل ذلك على أن مجرد العلم والأخبار عنه ليس بإيمان، حتى يتكلم بالإيمان على سبيل الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد.
فالمنافقون كفروا لأنهم قالوا مخبرين عن إيمانهم وهم كاذبون، فكانوا كفارًا في الباطن.
وهؤلاء قالوها غير ملتزمين ولا منقادين، فكانوا كفارًا في الظاهر والباطن (1).
السادس: أن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا طالب قد استفاض عنه أنه كان يعلم بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونسب إليه البيت المعروف:
ولقد علمت بأن دين محمد. . . من خير أديان البرية دينا
لكنه امتنع -كما هو معلوم- من الإقرار بالتوحيد والنبوة حبًا لدين سلفه، وكراهة أنه يعيره قومه بأنه ترك دين عبد المطلب، فلما لم يقترن بعلمه الباطن الحب والانقياد الذي يمنع ما يضاد ذلك من حب الباطل وكراهة الحق لم يكن مؤمنًا (2).
الأصل الثالث: أنهم جعلوا من لا يتكلم بالإيمان قط مع قدرته على ذلك، ولا أطاع الله طاعة ظاهرة، مع وجوب ذلك عليه وقدرته، يكون مؤمنًا بالله تام الإيمان سعيدًا في الدار الآخرة (3).
إبطال هذا الأصل:
نستطيع أن نعتبر كل ما تقدم من ردود للمصنف على الأصلين السابقين ردودًا على هذا الأصل أيضًا.
فإنه يمتنع ويستحيل أن يكون قلب الإنسان عامرًا بالإيمان التام، ثم لا يتكلم به ولو مرة في حياته، ولا يطيع الله عزّ وجلّ طاعة ظاهرة، فمن كان كذلك علم أن ليس في قلبه الإيمان الواجب.