مانع أنه في فترات اندراس الإسلام، وخفوت أنواره ومعالمه، وانتشار الجهل، أن يكون تارك الصلاة، أو تارك جنس العمل، ليس كافرًا، ولا مخلدًا في النار، فإن العذر بالجهل مانع من موانع الكفر.
وهذا الحديث يشير إلى اندراس الإسلام وانتشار الجهل، وعجز الناس عن معرفة فرائضه وأحكامه، والله عزّ وجلّ لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وليس في وسعها -في ذلك الزمان- معرفة شيء منه إلا الشهادة، وهؤلاء معذورون بالعجز، وليس في الحديث أنهم يتركون الفرائض مع علمهم بها.
وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى ذلك فقال: "لكن من الناس من يكون جاهلًا ببعض الأحكام جهلًا يعذر به، فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} النساء: 165، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الأمراء: 15.
ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، أو لم يعلم أن الخمر يحرم، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية. .
وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرًا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر.
ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئًا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة، فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول.
ولهذا جاء في الحديث: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة وصومًا ولا حجًا، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، يقول: أدركا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله" (1).