وهؤلاء هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً.
وكذلك قال في الآية الأخرى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر: ٢٣ ، والذين يخشون ربهم، هم الذين إذا ذكر الله تعالى وجلت قلوبهم.
فإن قيل: فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب. قيل: نعم، لكن الناس فيه على قسمين: مقتصد وسابق، فالسابقون يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار: هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة، ومن لم يكن من هؤلاء، ولا هؤلاء، فهو ظالم لنفسه، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم، إني أعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ودعاء لا يُسْمَع ".
وقد ذم الله قسوة القلوب المنافية للخشوع في غير موضع، فقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} البقرة: ٧٤ . قال الزجاج: قَسَتْ في اللغة: غَلُظَتْ ويَبِسَتْ وعَسِيَتْ. فقسوة القلب، ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه. والقاسي والعاسي: الشديد الصلابة، وقال ابن قتيبة: قَسَتْ وعَسَتْ وعَتَتْ، أي يَبِسَتْ.
وقوة القلب المحمودة غير قسوته المذمومة، فإنه ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف، وليناً من غير ضعف. وفي الأثر: القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إلى الله أصلبها وأرقها وأصفاها. وهذا كاليد فإنها قوية لينة، بخلاف ما يقسو من العقب، فإنه يابس لا لين فيه، وإن كان فيه قوة، وهو _ سبحانه _ ذكر وجل القلب من ذكره، ثم ذكر زيادة الإيمان عند تلاوة كتابه علماً وعملاً.
ثم لابد من التوكل على الله فيما لا يقدر عليه، ومن طاعته فيما يقدر عليه، وأصل ذلك الصلاة والزكاة فمن قام بهذه الخمس كما أمر، لزم أن يأتي بسائر الواجبات.
بل الصلاة نفسها إذا فعلها كما أمر، فهي تنهى عن الفحشاء