ليست لمن أشرك بالله ولا تكون إلا بإذن الله. وحقيقته أن الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص والتوحيد فيغفر لهم بواسطة دعاء الشافع الذي أذن له أن يشفع ليكرمه بذلك وينال به المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون صلى الله عليه وسلم كما كان في الدنيا يستسقي لهم ويدعو لهم، وتلك شفاعة منه لهم فكان الله يجيب دعاءه وشفاعته.
وإذا كان كذلك فالظلم ثلاثة أنواع : فالظلم الذي هو شرك لا شفاعة فيه. وظلم الناس بعضهم بعضًا لا بد فيه من إعطاء المظلوم حقه، لا يسقط حق المظلوم لا بشفاعة ولا غيرها ولكن قد يعطى المظلوم من الظالم كما قد يغفر لظالم نفسه بالشفاعة.
فالظالم المطلق ما له من شفيع مطاع وأما الموحد فلم يكن ظالماً مطلقا بل هو موحد مع ظلمه لنفسه. وهذا إنما نفعه في الحقيقة إخلاصه لله فبه صار من أهل الشفاعة. ومقصود القرآن ينفي الشفاعة نفي الشرك وهو: أن أحدًا لا يعبد إلا الله ولا يدعو غيره ولا يسأل غيره ولا يتوكل على غيره لا في شفاعة ولا غيرها، فليس له أن يتوكل على أحد في أن يرزقه وإن كان الله يأتيه برزقه بأسباب.
كذلك ليس له أن يتوكل على غير الله في أن يغفر له ويرحمه في الآخرة وإن كان الله يغفر له ويرحمه بأسباب من شفاعة وغيرها فالشفاعة التي نفاها القرآن مطلقًا، ما كان فيها شرك وتلك منتفية مطلقًا، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع وتلك قد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص فهي من التوحيد , ومستحقها أهل التوحيد.
وأما الظلم المقيد فقد يختص بظلم الإنسان نفسه وظلم الناس بعضهم بعضا كقول آدم عليه السلام وحواء: {ربنا ظلمنا أنفسنا} الأعراف: ٢٣ وقول موسى {رب إني ظلمت نفسي} القصصك ١٦ ، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إذا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أو ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} آل عمران: ١٣٥ .
لكن قول آدم وموسى إخبار عن واقع لا عموم فيه وذلك قد عرف ولله الحمد أنه ليس كفرًا