ويمتنع نقل ذلك عنهم، فإن الذين يعرفون هذه اللغة لا يعرفون هذه , وإذا كان الناقل ثلاثة، فهم قد علموا أولًادهم , وأولادهم علموا أولادهم , ولو كان كذلك لاتصلت.
ونحن نجد بني الأب الواحد يتكلم كل قبيلة منهم بلغة لا تعرفها الأخرى والأب واحد , لا يقال: إنه علم أحد ابنيه لغة وابنه الآخر لغة، فإن الأب قد لا يكون له إلا ابنان واللغات في أولاده أضعاف ذلك.
والذي أجرى الله عليه عادة بني آدم أنهم إنما يعلمون أولادهم لغتهم التي يخاطبونهم بها، أو يخاطبهم بها غيرهم فأما لغات لم يخلق الله من يتكلم بها فلا يعلمونها أولادهم.
وأيضًا فإنه يوجد بنو آدم يتكلمون بألفاظ ما سمعوها قط من غيرهم. والعلماء من المفسرين وغيرهم لهم في الأسماء التي علمها الله آدم قولان معروفان عن السلف.
أحدهما: أنه إنما علمه أسماء من يعقل واحتجوا بقوله: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ} البقرة: ٣١ . قالوا: وهذا الضمير لا يكون إلا لمن يعقل , وما لا يعقل يقال فيها: عرضها. ولهذا قال أبو العالية: علمه أسماء الملائكة لأنه لم يكن حينئذ من يعقل إلا الملائكة، ولا كان إبليس قد انفصل عن الملائكة ولا كان له ذرية.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: علمه أسماء ذريته وهذا يناسب الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن آدم سأل ربه أن يريه صور الأنبياء من ذريته، فرآهم فرأى فيهم من يبص. فقال: يا رب من هذا؟ قال: ابنك داود ". فيكون قد أراه صور ذريته أو بعضهم وأسماءهم وهذه أسماء أعلام لا أجناس.
والثاني: أن الله علمه أسماء كل شيء وهذا هو قول الأكثرين كابن عباس وأصحابه، قال ابن عباس: علمه حتى الفسوة والفسية والقصعة والقصيعة