هذا يدعو وهذا يشفع، وهو الخالق لأفعال العباد، فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه عليه، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه، فما يؤثر فيه شيء من المخلوقات، بل هو سبحانه الذي جعل ما يفعله سبباً لما يفعله.
وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر، وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون شيء إلا بمشيئته، وهو خالق أفعال العباد، كما هو خالق سائر المخلوقات. قال يحيى بن سعيد القطان: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: إن الله خالق أفعال العباد.
ولكن هذا يناقض قول القَدَريِة، فإنهم إذا جعلوا العبد هو الذي يحدث، ويخلق أفعاله بدون مشيئة الله وخلقه، لزمهم أن يكون العبد قد جعل ربه فاعلاً لما لم يكن فاعلاً له، فبدعائه جعله مجيباً له وبتوبته جعله قابلا للتوبة، وبشفاعته جعله قابلا للشفاعة.
وهذا يشبه قول من جعل المخلوق يشفع عند الله بغير إذنه.
فإن " الإذن " نوعان: إذن بمعنى المشيئة والخلق، وإذن بمعنى الإباحة والإجازة.
فمن الأول: قوله في السحر: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} البقرة: ١٠٢ فإن ذلك بمشيئة الله تعالى وقدرته، وإلا فهو لم يبح السحر.
والقدرية تنكر هذا " الإذن ". وحقيقة قولهم: إن السحر يضر بدون إذن الله.
وكذلك قوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ} آل عمران: ١٦٦ ،فإن الذي