فلما كان من طبع النفس الملازم لها وجود الإرادة والعمل، إذ هو حارث همام، فإن عرفت الحق وأرادته، وأحبته وعبدته، فذلك من تمام إنعام الله عليها. وإلا فهي بطبعها لابد لها من مراد معبود غير الله، ومرادات سيئة تضرها، فهذا الشر قد تركب من كونها لم تعرف الله ولم تعبده، وهذا عدم لا يضاف إلى فاعل، ومن كونها بطبعها لابد لها من مراد معبود، فعبدت غيره. وهذا هو الشر الذي تعذب عليه، وهو من مقتضى طبعها مع عدم هداها.
والقدرية يعترفون بهذا جميعه، وبأن الله خلق الإنسان مريداً، لكن يجعلون المخلوق كونه مريداً بالقوة والقبول، أي قابلا لأن يريد هذا وهذا.
وأما كونه مريداً لهذا المعين، وهذا المعين، فهذا عندهم ليس مخلوقاً لله وغلطوا في ذلك غلطاً فاحشاً؛ فإن الله خالق هذا كله.
وإرادة النفس لما يريده من الذنوب وفعلها، هو من جملة مخلوقات الله تعالى؛ فإن الله خالق كل شيء، وهو الذي ألهم النفس التي سواها فجورها وتقواها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: " اللهم آت نفسي تقواها، وزَكِّها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ".
وهو سبحانه جعل إبراهيم وآله أئمة يهدون بأمره، وجعل فرعون وآله أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا يُنْصَرون.
لكن هذا لا يضاف مفرداً إلى الله تعالى لوجهين: من جهة علته الغائية، ومن جهة سببه وعلته الفاعلية.
أما الغائية، فإن الله إنما خلقه لحكمة هو باعتبارها خير لا شر، وإن كان