ويذكر بآياته التي فيها نعمه وإحسانه إلى عباده، ويذكر بآياته المبينة لحكمته تعالى، وهي كلها متلازمة.
فكل ما خلق فهو نعمة، ودليل على قدرته وعلى حكمته.
لكن نعمة الرزق، والانتفاع بالمآكل والمشارب والمساكن والملابس ظاهرة لكل أحد؛ فلهذا يستدل بها كما في سورة النحل وتسمى سورة النعم، كما قاله قتادة وغيره.
وعلى هذا، فكثير من الناس يقول: الحمد أعم من الشكر، من جهة أسبابه، فإنه يكون على نعمة وعلى غير نعمة، والشكر أعم من جهة أنواعه؛ فإنه يكون بالقلب واللسان واليد.
فإذا كان كل مخلوق فيه نعمة، لم يكن الحمد إلا على نعمة، والحمد لله على كل حال؛ لأنه ما من حال يقضيها إلا وهي نعمة على عباده.
لكن هذا فَهْم من عرف ما في المخلوقات من النعم. والجهمية والجبرية بمعزل عن هذا.
وكذلك كل ما يخلقه، ففيه له حكمة، فهو محمود عليه باعتبار تلك الحكمة والجهمية أيضاً بمعزل عن هذا.
وكذلك القدرية الذين يقولون: لا تعود الحكمة إليه، بل ما ثم إلا نفع الخلق فما عندهم إلا شكر، كما ليس عند الجهمية إلا قدرة.
والقدرة المجردة عن نعمة وحكمة لا يظهر فيها وصف حمد، كالقادر الذي يفعل ما لا ينتفع به، ولا ينفع به أحداً، فهذا لا يحمد.
فحقيقة قول الجهمية أتباع جَهْم أنه لا يستحق الحمد، فله عندهم ملك بلا حمد، مع تقصيرهم في معرفة ملكه.