أسبق إلى الفطرة فجزم الفطرة بها أقوى ثم كلما قوى العقل اتسعت الكليات.
وحينئذ فلا يجوز أن يقال أن العلم ب الأشخاص موقوف على العلم ب الأنواع والأجناس ولا أن العلم ب الأنواع موقوف على العلم ب الأجناس بل قد يعلم الإنسان أنه حساس متحرك بالإرادة قبل أن يعلم أن كل إنسان كذلك ويعلم أن الإنسان كذلك قبل أن يعلم أن كل حيوان كذلك فلم يبق علمه ب أنه أو ب أن غيره من الحيوان حساس متحرك بالإرادة موقوفا على البرهان.
وإذا علم حكم سائر الناس وسائر الحيوان فالنفس تحكم بذلك بواسطة علمها أن ذلك الغائب مثل هذا الشاهد أو أنه يساويه في السبب الموجب لكونه حساسا متحركا بالإرادة ونحو ذلك من قياس التمثيل والتعليل الذي يحتج به الفقهاء في إثبات الأحكام الشرعية.
استواء قياس التمثيل وقياس الشمول:
وهؤلاء يزعمون أن ذلك القياس إنما يفيد الظن وقياسهم هو الذي يفيد اليقين وقد بينا في غير هذا الموضع أن قولهم هذا من أفسد الأقوال وأن قياس التمثيل وقياس الشمول سواء وإنما يختلف اليقين والظن بحسب المواد فالمادة المعينة أن كانت يقينية في أحدهما كانت يقينية في الآخر وإن كانت ظنية في أحدهما كانت ظنية في الآخر.
وذلك أن قياس الشمول مؤلف من الحدود الثلاثة الأصغر والأوسط والأكبر والحد الأوسط فيه هو الذي يسمى في قياس التمثيل علة ومناطا وجامعا ومشتركا وصفا ومقتضيا ونحو ذلك من العبارات.
فإذا قال في مسألة النبيذ كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام فلا بد له من إثبات المقدمة الكبرى وحينئذ يتم البرهان.
وحينئذ فيمكنه أن يقول النبيذ مسكر فيكون حراما قياسا على خمر العنب