الطريق على الطالب المستدل فلا يخلو عن خطأ يصد عن الحق أو طريق طويل يتعب صاحبه حتى يصل إلى الحق مع إمكان وصوله بطريق قريب كما كان يمثله بعض سلفنا بمنزلة من قيل له أين أذنك فرفع يده فوق رأسه رفعا شديدا ثم أدارها إلى أذنه اليسرى وقد كان يمكنه الإشارة إلى اليمنى أو اليسرى من طريق مستقيم وما أشبه هؤلاء بقول القائل:
أقام يعمل أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء
وبقول الآخر:
وإني وإني ثم إني وإنني ... إذا انقطعت نعلى جعلت لها شسعا
وما أحسن ما وصف الله به كتابه بقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فأقوم الطرق إلى أشرف المطالب ما بعث الله به رسوله وأما طريق هؤلاء فهي مع ضلالهم في البعض واعوجاج طريقهم وطولها في البعض الأخرى إنما يوصلهم إلى أمر لا ينجى من عذاب الله فضلا عن أن يوجب لهم السعادة فضلا عن حصول الكمال للأنفس البشرية بطريقهم.
بطلان حصر الأدلة في القياس والاستقراء والتمثيل:
بيان ذلك أن ما ذكروه من حصر الدليل في القياس والاستقراء والتمثيل حصر لا دليل عليه بل هو باطل وقولهم أيضا أن العلم المطلوب لا يحصل إلا بمقدمتين لا يزيد ولا ينقص قول لا دليل عليه بل هو باطل.
واستدلالهم على الحصر بقولهم: "إما أن يستدل بالكلى على الجزئي أو بالجزئي على الكلى أو بأحد الجزئين على الآخر والأول هو القياس والثاني هو الاستقراء والثالث هو التمثيل".
يقال لم تقيموا دليلا على انحصار الاستدلال في هذه الثلاثة فإنكم إذا عنيتم