مثل أن يقولوا أن الواحد في مورد الإجماع إنما لم يصدر عنه إلا واحد لأنه بسيط فلو صدر عنه اثنان لكان مركبا فالنار البسيطة لا تصدر عنها إلا الحرارة ومتى قدر صدور الحر والبرد جميعا لزم أن تكون مركبة فهذا أن مشى لهم في قياس التمثيل مشى لهم في قياس الشمول وإن بطل هناك كان هناك أبطل.
وأما إثباته ب قياس الشمول دون التمثيل فممتنع فلا يمكن أحدا أن يثبت قضية كلية ب قياس شمول إلا وإثباتها ب التمثيل أيسر وأظهر وإن عجز عن إثباتها ب التمثيل فعجزه عن إثباتها ب الشمول أقوى وأشد.
فإنهم إذا قالوا الحار لا يصدر عنه إلا الحار لأنه واحد والواحد لا يصدر عنه إلا واحد فانه قد يقال لهم ما تعنون ب الصدور أتعنون به استقلاله بصدور الأثر عنه أو أن يكون سببا في صدور الأثر بحيث إذ انضم إلى غيره حصل المؤثر التام.
ليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده:
فان أردتم الأول لم نسلم لكم أن في الوجود ما هو مؤثر تام ولا شيء مستقل بالفعل غير الله تعالى والحار الذي اثر حرارة والبارد الذي أثر برودة إنما اثر في محل قابل للتسخين والتبريد فكانت الحرارة الحاصلة في القابل بسببه وبسبب الحار معا وأيضا فذلك مشروط بانتفاء العائق المانع وإلا فلو حصل ما يمنع وصول الأثر إليه لم يحصل وكذلك الشعاع إذا قيل الشمس مستقلة به لم يسلم ذلك فانه مشروط بالجسم الذي ينعكس الشعاع عليه ومشروط بعدم المانع كالسحاب والسقف.
وعلى هذا فليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} قال مجاهد وغيره: "تذكرون فتعلمون أن خالق الأرواح واحد".
قال تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ