ثم بلغهم أمور أخرى خارجة عن قياسهم فأرادوا إجراء تلك على ذلك القياس فرأوا أن لبعض النفوس قوة حدسية وانه قد يكون لها تأثير في بعض الأمور وقد يتخيل إليها ما تعلمه كما يتخيل إلى النائم ما يراه فظنوا أن جميع ما يحصل للنفوس من الوحي ونزول الملائكة وسمع كلام الله هو من هذا الباب وجعلوا خاصة النبوة هي هذه الثلاث فمن وجدت فيه كان نبيا وقالوا النبوة مكتسبة وصار فضلاؤهم تتعرض لأن يصيروا أنبياء كما جرى للسهرودي المقتول ولابن سبعين وغيرهم.
وابن عربي لما علم أنه لا يمكن دعوى النبوة ادعى ختم الولاية وادعى أن خاتم الأولياء أكمل في العلم بالله من خاتم الأنبياء وانه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى النبي وكان سبب هذا اعتقاد قول هؤلاء المتفلسفة الملاحدة أن النبي يأخذ عن جبريل الذي هو خيال في نفسه وذلك الخيال يأخذ عن العقل قال فالنبي يأخذ عن هذا الخيال وأنا اخذ عن العقل الذي يأخذ منه الخيال.
وضموا هذا إلى أن جميع الحوادث إنما تحدث عن حركة الفلك وهو من افسد أصولهم التي ضلوا بها.
والثالث: المجريات وهي كلها جزئية فان التجربة إنما تقع على أمور معينة وكذلك المتواترات فان المتواترات إنما هو ما علم بالحس من مسموع أو مرئي فالمسموع قول معين والمرئي جسم معين أو لون معين أو عمل معين أو أمر ما معين.
وأما الحدسيات أن جعلت يقينية فهي نظير المجريات إذا الفرق بينهما لا يعود إلى العموم والخصوص وإنما يعود إلى أن المجريات تتعلق بما هو من أفعال المجربين والحدسيات تكون عن أفعالهم وبعض الناس يسمى الكل تجربيات.
لا تستعمل القضايا الكلية في شيء من الموجودات:
فلم يبق معهم إلا الأوليات التي هي البديهيات العقلية والأوليات الكلية إنما هي قضايا مطلقة في الأعداد والمقادير ونحوها مثل قولهم الواحد نصف الاثنين