السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} أي بما لم يوجد فانه لو وجد لعلمه فعلمه بأنه موجود ووجوده متلازمان يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر ومن انتفائه انتفاؤه والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
والمقصود أن يعرف الإنسان أنهم يقولون من الجهل والكفر ما هو في غاية الضلال فرارا من لازم ليس لهم قط دليل على نفيه ولو قدر شبهة تعارض ثبوت العلم فأين هذا من هذا وأين الأدلة الدالة على ثبوت علمه والمحذور في نفي علمه مما يظن أنه يدل على نفي الصفات أو نفي بعضها دليلا ومحذورا.
بطلان قولهم الثلاثة المذكورة في النحل هي البرهان والخطابة والجدل:
والمقصود هنا أن ما يجعلونه من القران مطابقا لأصولهم ليس كما يقولون فان قيل لا ريب أن ما جاء به الرسول من الحكمة والموعظة الحسنة والجدل يخالف أقوال هؤلاء الفلاسفة أعظم من مخالفته لأقوال اليهود والنصارى لكن المقصود أن الثلاثة المذكورة في القران هي البرهان الصحيح والخطابة الصحيحة والجدل الصحيح وان لم تكن هي عين ما ذكره اليونان إذ المنطق لا يتعرض لشيء من المواد وإنما الغرض أن هذه الثلاثة هي جنس هذه الثلاثة.
قيل وهذا أيضا باطل فان الخطابة عندهم ما كان مقدماته مشهورة سواء كانت علما مجردا أو علما يقينيا والوعظ في القران هو الأمر والنهي والترغيب والترهيب كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} .
فقوله: {مَا يُوعَظُونَ بِهِ} أي ما يؤمرون به وقال: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي ينهاكم عن ذلك.
وأيضا فالقرآن ليس فيه أنه قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ} وذلك