فَاعِلا للْكَلَام على مَا يعرف فِي مَوْضِعه وَلَو كَانَت حَقِيقَة الْمُتَكَلّم من فعل الْكَلَام لَكَانَ الْبَارِي تَعَالَى متكلما بالْكلَام الَّذِي يقوم بِنَا فَإِنَّهُ فَاعل كلامنا وخالقه على مَا يعرف فِي مَوْضِعه وَذَلِكَ محَال
ولتعلم أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا الْكتاب أَن كل مَا ذكره هَذَا القس فِي هَذَا الْفَصْل إِنَّمَا هُوَ مبْنى على أَنه تَعَالَى مُتَكَلم بِحرف وَصَوت وَقد أبطلنا ذَلِك فِيمَا تقدم حَيْثُ قُلْنَا كَلَام الْبَارِي تبَارك وَتَعَالَى لَيْسَ بِصَوْت وَلَا حرف وَإِنَّمَا هُوَ وصف لَهُ قَائِم بِهِ لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت كَمَا نبهنا عَلَيْهِ
وَإِذا بِكُل ذَلِك بَطل كل مَا انتحله فِي هَذَا الْفَصْل من الهذيان وَإِنَّمَا كلامنا مَعَه بعد ذَلِك على طَريقَة المناظرة الْجَارِيَة بَيْننَا وَذَلِكَ أَن أَرْبَاب النّظر رُبمَا يسلمُونَ مَا هُوَ مَعْلُوم الْفساد ليتبين تنَاقض الْخصم وتحكمه للعباد وَكَذَلِكَ نَفْعل نَحن بِهَذَا الرجل بحول الله فَنَقُول لَهُ
لأي شَيْء قلت أَن الله اتخذ الصَّوْت حِجَابا لإِظْهَار أَرَادَتْهُ ولبست بِلَفْظ الْحجاب وَلَو قلت إِن الله جعل الصَّوْت دَلِيلا على مَا أَرَادَ لارتفع التلبيس ولزال الْإِبْهَام الَّذِي أوهمت فَإنَّك أوهمت بِلَفْظ الْحجاب أَن الْإِرَادَة احْتَجَبت بِهِ واتحدت مَعَه حَتَّى ظَهرت بواسطته فجعجعت أَنْت بِلَفْظ الْحجاب والظهور وأوهمت وَأَنت مَا حصلت على فَائِدَة وَلَا وجدت
وَمِمَّا يتَبَيَّن أَن هَذَا الَّذِي ذكره إِنَّمَا هُوَ جعجعة لفظية لَيْسَ وَرَاءَهَا معنى أَنا نبطل لفظ الْحجاب بِالدَّلِيلِ وَلَا نبقى مِمَّا توهمه شَيْء فإننا يمكننا أَن نقُول إِن الصَّوْت الَّذِي خلقه الله تَعَالَى وَجعله دَلِيلا على إِرَادَته على قَوْله إِنَّمَا هُوَ بِمَثَابَة أَن لَو خلق خُطُوطًا فِي حجر يسْتَدلّ بهَا الْمُسْتَدلّ على إِرَادَته إِذا قَرَأَهَا فَلَا يتَمَكَّن لعاقل أَن يَقُول إِن الْإِرَادَة انحجبت بخطوط ذَلِك الْحجر وَلَا اتّحدت بِهِ فَإِن الْإِرَادَة لَا تقوم بجماد وَهَذَا بَين بِنَفسِهِ
وَكَذَلِكَ لَو كتبنَا لفظ النَّار فِي ورقة لما تخيل عَاقل بل غافل أَن ذَات النَّار حلت فِي الورقة إِذْ لَو حلت النَّار فِي الورقة لاحترقت وَكَذَلِكَ