فقولنا حَيَوَان نَاطِق أردنَا بِهِ أَن إنْسَانا بَاقٍ على أصل إنسانيته لَا يمتاز عَن غَيره من نوع الْإِنْسَان بِوَصْف حَقِيقِيّ وَإِن إمتاز بأوصاف عرضية عَن غَيره كالعلوم الْخَاصَّة بهم وصفات الْكَمَال الَّتِي خصهم الله بهَا فَذَلِك لَا يُخرجهُ عَن كَونه إنْسَانا وَلأَجل هَذَا الْمَعْنى كَانَت الرُّسُل تَقول لقومها {إِن نَحن إِلَّا بشر مثلكُمْ وَلَكِن الله يمن على من يَشَاء من عباده} وَكَذَلِكَ قَالَ الصَّادِق المصدوق {إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوحى إِلَيّ} فَجعل الْفَصْل بَينه وَبَين نَوعه مَا خص بِهِ من الْوَحْي
وَقَوْلنَا مائت تَنْبِيه على مآله لِئَلَّا يغلوا فِي بَعضهم جاهلون كَمَا فعلت النَّصَارَى فينسبونهم إِلَى مَا لَا يَلِيق بِمن يَمُوت
وَقَوْلنَا كَامِل أعنى بذلك أَن الْأَنْبِيَاء مجبولون على أتم صِفَات نوع الْإِنْسَان وَذَلِكَ مَعْلُوم من أوصافهم وَإِن كَانُوا متفاوتين فِي ذَلِك
وَقَوْلنَا مخبر عَن الله هَذَا الْقَيْد هُوَ خاصته الَّتِي تفصله عَن غَيره من نَوعه فَإِن لم يكن كَذَلِك لم يقل عَلَيْهِ أَنه نَبِي
وَقَوْلنَا إِمَّا مشافهة وَإِمَّا بِوَاسِطَة ملاك بحرز مِمَّن يبلغهُ خير الله تَعَالَى على أَلْسِنَة رسله فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِي وَلَا يُقَال عَلَيْهِ بِحكم الْعرف إِنَّه نَبِي وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن يُقَال نَبِي على كل متشرع سمع من رَسُوله خَبرا عَن الله وَهَذَا لم يقلهُ أحد
وَقَوْلنَا أَو مَا تنزل مَنْزِلَته نُرِيد بِهِ أَن الْأَنْبِيَاء قد يتلقون الْوَحْي على وُجُوه مِنْهَا أَن يكلمهُ الله مشافهة وَمِنْهَا أَن يُرْسل إِلَيْهِ ملكا يُخبرهُ عَن الله وَمِنْهَا أَنه يلقى إِلَيْهِ الْوَحْي فِي النّوم وَمِنْهَا أَن الله تَعَالَى يقذف فِي روعه ويلهمه إلهاما حَتَّى لَا يشك أَن الْأَمر كَذَلِك وَيقطع بِهِ
فَإِذا تقرر أَن حَقِيقَة النُّبُوَّة مَا ذَكرْنَاهُ وَأَن فَضله الْخَاص بِهِ هُوَ مَا تحصل لَهُ من الْأَخْبَار عَن الله فَذَلِك الْخَبَر أَن أَمر النَّبِي بتبليغه لغيره فَذَلِك النَّبِي هُوَ الَّذِي يُقَال عَلَيْهِ رَسُول والرسالة هُوَ الْكَلَام الْمبلغ عَن الله فلأجل هَذَا يَصح أَن يُقَال كل رَسُول نَبِي وَلَيْسَ كل نَبِي رَسُولا