عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي الركوة فَجعل المَاء يفور من بَين أَصَابِعه كأمثال الْعُيُون وَكَانُوا خمس عشرَة مائَة قَالُوا وَلَو كُنَّا مائَة ألف لَكَفَانَا
فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاطِن وَقد روى عَنهُ نَحْو هَذَا من طرق كَثِيرَة لَا يتَطَرَّق لَهَا الْكَذِب وَلم يردهَا أحد من أهل الْعقل وَالْأَدب لكَونهَا وَقعت فِي جموع كَثِيرَة وتناقلها جماعات عديدة يدينون تَحْرِيم الْكَذِب ويرونه أقبح شُبْهَة وأشنع سَبَب بل يبادرون إِلَى ذمّ الْكَاذِب وَإِظْهَار فضيحته وَلَا يقرونَ شَيْئا من الْكَذِب بِحَال عِنْد مَعْرفَته فَهَذَا هُوَ النَّوْع الأول
وَأما النَّوْع الثَّانِي فَهُوَ مَا تواردت بِهِ الرِّوَايَات عَن الْأَئِمَّة الْأَثْبَات من ذَلِك مَا اتّفق لَهُ فِي غَزْوَة تَبُوك وَذَلِكَ أَنهم وردوا عينا بتبوك وَهِي تبض بِشَيْء من مَاء مثل الشرَاك فغرفوا من الْعين بِأَيْدِيهِم حَتَّى اجْتمع مِنْهُ شَيْء قَلِيل ثمَّ غسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ وَجهه وَيَديه وَأَعَادَهُ فِيهَا فجرت بِمَاء كثير فاستقى النَّاس هَذَا حَدِيث معَاذ
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فانخرق من المَاء مَاله حس كحس الصَّوَاعِق ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوشك يَا معَاذ إِن طَالَتْ بك حَيَاة أَن ترى مَا هَا هُنَا قد ملئ جنَانًا وَكَذَلِكَ صنع ذَلِك الْموضع جنَانًا بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا من بَاب الْأَخْبَار عَن الْغَيْب
وَمن ذَلِك مَا اتّفق لَهُ بِالْحُدَيْبِية أَيْضا وَذَلِكَ أَنهم أَتَوا الْحُدَيْبِيَة وهم أَربع عشرَة مائَة وبئرها لَا تروي خمسين شَاة
قَالَ الْبَراء وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع فنزحناها فَلم نَتْرُك فِيهَا شَيْئا فَقعدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بِئْرهَا فبصق ودعا وَأخرج سَهْما من كِنَانَته فَوَضعه فِي الْبِئْر فَجَاشَتْ الْعين بِمَاء كثير فأرووا أنفسهم وركابهم وهم ألف وَأَرْبع مائَة
وَمن ذَلِك مَا روى قَتَادَة صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّاس شكوا إِلَيْهِ الْعَطش فِي بعض أَسْفَاره فَدَعَا بالمبيضأة فَجَعلهَا فِي ضبنه ثمَّ الْتَقم فمها فَالله أعلم نفث فِيهَا أم لَا فَشرب النَّاس حَتَّى رووا وملأوا كل إِنَاء مَعَهم وَكَانُوا إثنين وَسبعين رجلا