الْفَصْل الثَّانِي
خُرُوج النَّصَارَى على تعاليم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
أُرِيد أَن أبين فِي هَذَا الْفَصْل أَنهم يخالفون كتبهمْ وَلَا يعْملُونَ بمقتضاها بل يتركون الْعَمَل بهَا ابْتِدَاء وَيَقُولُونَ تأولناها
وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى حرم فِي التَّوْرَاة أكل الْميتَة وَالدَّم وَالْخِنْزِير والنطيحة والموقوذة والمنخنقة والقردة والشحوم الَّتِي لَا تختلط بِاللَّحْمِ والأرانب والأسد والدب واللب وَالْفرس والبغل وَالْحمار وكل دَابَّة لَيست مشقوقة الْحَافِر وَمن الطير الْبَازِي وَالْعِقَاب وكل طير يَبْغِي بالمخالب وَمن حَيَوَان المآكل حوت لَيْسَ لَهُ سفانق
هَذَا وَجَدْنَاهُ فِي كتبهمْ الَّتِي نقلنا مِنْهَا سفانق وَهُوَ تَصْحِيف مِنْهُم وَإِنَّمَا هُوَ سفاسق وَهِي الطرائق عِنْد الْعَرَب وَمِنْه قيل سفاسق السَّيْف وَهِي طرائقه وفرنده ذكره أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف
وَمنع حرث الثور مَعَ الْحمار وَحمل الْخَيل على الْحمير وَالْحمير على الْخَيل وطبخ الجدي فِي لبن أمه وَأخذ الطير فِي أعشاشها بفراخها وَأكل الجزارة المتلصقة رئتها وَأكل الْخبز المختمر فِي الفصوح وَلَا تقرب قرْبَان إِلَّا بِخبْز فطير وَمنع شحوم الْبَقر وشحم الشَّاة وَمنع قرْبَان الْحمام واليمام
فَهَذِهِ الْمَذْكُورَات كلهَا مُحرمَة بنصوص التَّوْرَاة الَّتِي لَا تقبل التَّأْوِيل إِذْ قد عملت أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل على مقتضاها وَلم يُغيرُوا شَيْئا مِنْهَا
وَكَذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يغيرها عَن مقتضياتها وَلَا نسخهَا بل أقرها بِالْعَمَلِ وَأمر بمقتضاها