وَخير من ذَلِك كُله أَنهم قد ذكرُوا فِي إنجيلهم أَن عِيسَى قَالَ لَهُم لَا تحسبوا أَنِّي قدمت لأصلح بَين أهل الأَرْض لم آتٍ لاصلاحهم لَكِن لألقى الْمُحَاربَة بَينهم إِنَّمَا قدمت لأفرق بَين الْمَرْء وإبنه وَالْمَرْأَة وإبنتها وأعداء الْمَرْء أهل بَيته
وَهَذَا نَص بِأَن عِيسَى إِنَّمَا جَاءَ بالمحاربة وإلقاء الْعَدَاوَة بَين النَّاس وَهَذَا عين مَا أنكروه علينا ثمَّ قد زَاد وَأَعْلَى ذَلِك أَنهم حكوا أَنه قَالَ لم آتٍ لأصلح أهل الأَرْض لم آتٍ لإصلاحهم وَظَاهر هَذَا إِنَّمَا جَاءَ بِفساد أهل الأَرْض
وَهَذَا لايصح أَن يَقُوله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا غَيره من الْأَنْبِيَاء وَهُوَ من كذبهمْ وتحريفهم وَقد قدمنَا ذَلِك فِيمَا سبق وَمن الْعجب أَنهم يَقُولُونَ أَن مِلَّة الْمَسِيح وشريعته لم تأت بِقِتَال ويتمدحون بِأَنَّهَا لم تظهر بِقِتَال وَإِنَّمَا ظَهرت بِمَا ظهر على أَيدي الحواريين من الْعَجَائِب وهم مَعَ ذَلِك يعترفون بمحاربة قسطنطين وبمقاتلته من خَالفه وَأَنه الَّذِي تلقيت عَنهُ الشَّرِيعَة الصليبية فَإِنَّهُ أرى فِي النّوم صُورَة الصَّلِيب وَقيل لَهُ بِهَذَا تنصر فَفعله وأعتقده وَقَاتل فنصر
وأعجب من ذَلِك تَلبسهمْ بِالْقِتَالِ والإكثار مِنْهُ أَبَد الدَّهْر إِلَى الْيَوْم وهم مَعَ ذَلِك يدعونَ أَن الْقِتَال غير مَشْرُوع لَهُم ويذمون الشَّرِيعَة الَّتِي جَاءَت بِهِ فهم قد ناقضت أفعالهم أَقْوَالهم وَشهِدت على كذبهمْ أَحْوَالهم ثمَّ نقُول لقسطنطين ولجماعة النَّصَارَى المقاتلين
قتالكم من خالفكم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مَشْرُوعا لكم أَو غير مَشْرُوع لكم فَإِن كَانَ مَشْرُوعا لكم فلأي معنى تخالفونا فِي ذَلِك وتذموا شرعنا لأَجله وَإِن لم يكن مَشْرُوعا لكم فلأي معنى تركْتُم شرعكم وفعلتم خِلَافه
وَكَيف حل لكم ذَلِك فَأنْتم بَين أَمريْن قبيحين عَلَيْكُم إِمَّا أَن تعترفوا بِأَن قتال الْأَعْدَاء جَائِز حسن فَلَا تَذُمُّوا شرعنا لأَجله وَإِمَّا أَن تعترفوا بِأَنَّهُ غير جَائِز وقبيح فيلزمكم التَّنَاقُض والسفه وَالْخُرُوج عَن شَرِيعَة الْمَسِيح فَأنْتم على الْمثل السائر أَعور بِأَيّ عَيْنَيْهِ شَاءَ