فأيُّ الطائفتين أحقُّ بأن يكون كلامها موصوفًا (١) بالحشو، أو يكونون أولى بالجهل والضلال والإفك والمُحال؟!
وكلام المشايخ والأئمة من أهل السُّنة والفقه والمعرفة في هذا الباب أعظمُ من أن نطيل به الخطاب.
الوجه الثاني (٢): أنك تجدُ أهلَ الكلام أكثرَ الناس انتقالًا من قولٍ إلى قول، وجزمًا بالقول في موضعٍ وجزمًا بنقيضه وتكفير قائله في موضعٍ آخر، وهذا دليلُ عدم اليقين؛ فإن الإيمانَ كما قال فيه قيصرُ لما سأل أبا سفيان عمَّن أسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل يرجعُ أحدٌ منهم عن دينه سَخْطةً له بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا. قال: وكذلك الإيمانُ إذا خالط بشاشتُه القلوبَ لا يَسْخَطُه أحد» (٣).
ولهذا قال بعض السَّلف ــ عمرُ بن عبد العزيز أو غيرُه ــ: «من جعَل دينَه غَرَضًا للخصومات أكثَر التنقُّل» (٤).
وأما أهل السُّنة والحديث فما يُعْلَمُ أحدٌ من علمائهم ولا صالح عامَّتهم
(١). زيادة تقديرية من (ط, ف) لالتئام السياق.
(٢). من وجوه إثبات أن المتكلمين والفلاسفة من أعظم بني آدم حَشْوًا وقولًا للباطل وتكذيبًا للحقِّ في مسائلهم ودلائلهم. وسبق الوجه الأول (ص: ٤١).
(٣). أخرجه البخاري (٧) ومسلم (١٧٧٣).
(٤). أخرجه مالك في «الموطأ» (٩١٨ - رواية محمد بن الحسن) , والدارمي (٣١٢) , وابن أبي الدنيا في «الصمت» (١٦١) , والفريابي في «القدر» (٣٨٤) , وغيرهم عن عمر بن عبد العزيز من وجوه صحاح.