كلِّ بدعةٍ عليها طائفةٌ كبيرةٌ من الناس أن يكون فيها من الحقِّ الذي جاء به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ويوافقُ عليه أهلُ السُّنة والحديث ما يوجبُ قبولها؛ إذ الباطلُ المحضُ لا يُقْبَل بحال.
وبالجملة, فالثباتُ والاستقرارُ في أهل الحديث والسُّنة أضعافُ أضعافِ أضعافِ ما هو عند أهل الكلام والفلسفة، بل المتفلسِفُ أعظمُ اضطرابًا وحيرةً في أمره من المتكلِّم؛ لأن عند المتكلِّم من الحقِّ الذي تلقَّاه عن الأنبياء ما ليس عند المتفلسِف، ولهذا تجدُ مثل أبي الحسين البصري (١) وأمثاله أثبتَ من مثل ابن سينا وأمثاله.
وأيضًا تجدُ أهلَ الفلسفة والكلام أعظمَ الناس افتراقًا واختلافًا، مع دعوى كلٍّ منهم أن الذي يقوله حقٌّ مقطوعٌ به قام عليه البرهان.
وأهل السُّنة والحديث أعظم الناس اتفاقًا وائتلافًا، وكلُّ من كان من الطوائف إليهم أقربَ كان إلى الاتفاق والائتلاف أقرب.
فالمعتزلة أكثرُ اتفاقًا وائتلافًا من المتفلسفة؛ إذ للفلاسفة في الإلهيات والمعاد والنبوَّات ــ بل وفي الطبيعيات والرياضيات وصفات الأفلاك ــ من الأقوال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال, وقد ذَكَر من جَمَع مقالاتِ الأوائل مثل أبي الحسن الأشعري في كتاب «المقالات» (٢) ومثل القاضي أبي بكر في
(١). محمد بن علي بن الطيب, شيخ المعتزلة (ت: ٤٣٦). «السير» (١٧/ ٥٨٧).
(٢). مقالات غير الإسلاميين وهو كتابه الكبير في المقالات. انظر: «الرد على المنطقيين» (٣٣٤) , و «درء التعارض» (١/ ١٥٨) , و «الصفدية» (٢/ ٢٩٤) , و «منهاج السنة» (٥/ ٢٨٣). ولم يعثر عليه بعد.