وأيضًا, فالمخالفون لأهل الحديث هم مَظِنَّةُ فسادِ الأعمال، إما عن سوء عقيدةٍ ونفاق، وإما عن مرضٍ في القلب وضعفِ إيمان, ففيهم مِن تَرْكِ الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهرٌ لكلِّ أحد، وعامةُ شيوخهم يُرْمَون بالعظائم (١)، وإن كان فيهم من هو معروفٌ بزهدٍ وعبادةٍ ففي زهدِ بعض العامة من أهل السُّنة وعبادته ما هو أرجحُ مما هو فيه.
ومن المعلوم أن العلمَ أصلُ العمل، وصحةُ الأصول تُوجِبُ صحةَ الفروع، والرجلُ لا يَصْدُر عنه فسادُ العمل إلا لشيئين: إما لحاجةٍ وإما لجهل، فأما العالِمُ بقُبح الشيء الغنيُّ عنه فلا يفعلُه، اللهم إلا من غَلَبَ عقلَه هواه واستولت عليه المعاصي، فذاك لونٌ آخرُ وضربٌ ثانٍ.
وأيضًا, فإنه لا يُعْرَفُ من أهل الكلام أحدٌ إلا وله في الإسلام مقالةٌ يكفِّرُ قائلَها عمومُ المسلمين حتى أصحابُه، وفي التعميم ما يُغْنِي عن التعيين، فأيُّ فريقٍ أحقُّ بالحَشْو والضلال من هؤلاء؟!
وذلك يقتضي وجودَ الرِّدَّة فيهم، كما يوجدُ النفاقُ فيهم كثيرًا.
وهذا إذا كان في المقالات الخفيَّة فقد يقال: إنه فيها مخطئٌ ضالٌّ لم تَقُم عليه الحجةُ التي يَكْفُر صاحبُها (٢)، لكنَّ ذلك يقعُ في طوائفَ منهم في
(١). ذكر ابن قتيبة في كتابه (٦٦, ٩٤, ٩٩, ١١٢) نُبذًا من ذلك.
(٢). هذا الموضع كثير الدوران في كتب أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله, وهو من أهمِّ ما يُسْتَدلُّ به على نسبة القول بالتفريق بين المسائل الخفية والظاهرة في باب الإعذار بالجهل إلى ابن تيمية. والظاهر لمن تأمل قواعد أبي العباس وأصوله وجمع متفرق كلامه أن المعتبر عنده في العذر تحقُّقُ وصف الجهل في المعيَّن وعدم قيام الحجة الرسالية عليه, دون تفريق بين المسائل العلمية والعملية في أصول الدين وفروعه, وأن الظهور والخفاء عنده من الأمور النسبية التي تختلفُ باختلاف مدارك الناس وأزمانهم وبلدانهم, فلا يصحُّ تعليق العذر بها. وانظر لتوجيه هذا النص وتحرير مذهب شيخ الإسلام كتاب «إشكالية الإعذار بالجهل في البحث العقدي» لسلطان العميري (٤٠ - ٥٣, ٣١٩ - ٣٤١).