يطَّلعُ عليه المكاشَفون الذين أدركوا الحقائق بنورٍ إلهيٍّ!
فإن أبا حامدٍ كثيرًا ما يحيلُ في كتبه على ذلك النور الإلهيِّ (١) , وعلى ما يعتقدُ أنه يوجَدُ للصوفية والعُبَّاد برياضتهم وديانتهم من إدراك الحقائق وكَشْفِها لهم حتى يَزِنُوا بذلك ما ورد به الشرع.
وسببُ ذلك أنه كان قد عَلِمَ بذكائه وصِدْق طلبه ما في طريق المتكلمين والمتفلسفة من الاضطراب، وآتاه الله إيمانًا مجملًا كما أخبر به عن نفسه، وصار يتشوَّفُ إلى تفصيل الجملة، فيجدُ في كلام المشايخ والصُّوفية ما هو أقربُ إلى الحقِّ وأولى بالتحقيق من كلام الفلاسفة والمتكلمين, والأمرُ كما وَجَدَه، لكن لم يَبْلُغْه من الميراث (٢) الذي عند خاصَّة الأمة من العلوم والأحوال ما وصل إليه السابقون الأولون من العلم والعبادة حتى نالوا من المكاشَفات العِلمية والمعاملات العِبَادية ما لم ينله أولئك، فصار يعتقدُ أن تفصيلَ تلك الجملة يحصُل بمجرَّد تلك الطريق، حيث لم يكن عنده طريقٌ غيرها؛ لانسداد الطريقة الخاصَّة السُّنية النبوية بما كان عنده من قلَّة العلم بها ومن الشبهات التي تَقَلَّدها عن المتفلسفة والمتكلمين حتى حالوا بها بينه وبين تلك الطريقة.
ولهذا كان كثيرَ الذمِّ لهذه الحوائل ولطريقة العلم, وإنما ذاك لعِلْمه الذي سَلَكه والذي حُجِبَ به عن حقيقة المتابعة للرسالة, وليس هو بعلمٍ،
(١). انظر: «الإحياء» (١/ ٩٤, ١٠٤, ٤/ ٣٠٧, ٤٢٦) , و «المنقذ من الضلال» (١١٥) , و «مشكاة الأنوار» (٣٩, ٦٣, ٩٣) , و «ميزان العمل» (٢٤٤).
(٢). (ط): «الميراث النبوي».