روايته، بل نعني بهم: كلَّ من كان أحقَّ بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرًا وباطنًا، واتباعه باطنًا وظاهرًا، وكذلك أهلُ القرآن.
وأدنى خصلةٍ في هؤلاء محبةُ القرآن والحديث، والبحثُ عنهما وعن معانيهما, والعملُ بما علموه من مُوجَبهما.
ففقهاءُ الحديث أخبَرُ بالرسول من فقهاء غيره، وصُوفيَّتُهم أتبعُ للرسول من صوفيَّة غيرهم (١)، وأمراؤهم أحقُّ بالسياسة النبوية من غيرهم، وعامَّتُهم أحقُّ بموالاة الرسول من غيرهم.
ومن المعلوم أن المعظِّمين للفلسفة والكلام المعتقدِين لمضمونهما أبعدُ عن معرفة الحديث واتِّباعه مِن هؤلاء. هذا أمرٌ محسوس. بل إذا كشفتَ أحوالهم وجدتَهم مِن أجهل الناس بأقواله - صلى الله عليه وسلم - وأحواله وبواطن أموره وظاهرها، حتى تجدُ كثيرًا من العامة أعلمَ بذلك منهم.
ولا يميِّزون بين ما قاله وما لم يَقُلْه، بل قد لا يفرِّقون بين حديثٍ متواترٍ عنه وحديثٍ مكذوبٍ موضوعٍ عليه، وإنما يعتمدون في موافقته على ما يوافقُ قولهم سواءً كان موضوعًا أو غيرَ موضوع، فيَعْدِلُون إلى أحاديثَ يعلمُ خاصَّةُ الرسول بالضرورة اليقينيَّة أنها مكذوبةٌ عليه عن أحاديثَ يعلمُ خاصَّتُه بالضرورة اليقينيَّة أنها قولُه.
ولا يعلمون (٢) مرادَه، بل غالبُ هؤلاء لا يعلمون معاني القرآن فضلًا
(١) انظر: «الصفدية» (١/ ٢٦٧, ٢٧٠) , و «شرح الأصبهانية» (٦٧٦) , و «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ١٧٧) , و «الرد على الشاذلي» (٣٩, ٧٣) , و «جامع المسائل» (٧/ ١٨٩).
(٢) الأصل: «ويعلمون». وأصلحت في (ط) إلى: «وهم لا يعلمون».