منهم يقومُ مقامَ الأنبياء في القَدْر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العِلْم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعًا.
وكانوا يقولون: هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظَّاهرين (١) على الحقِّ، لأن الهدى ودينَ الحقِّ الذي بعثَ اللهُ به رسلَه معهم, وهو الذي وَعَد اللهُ بظهوره على الدين كلِّه، وكفى بالله شهيدًا.
فصل
وتلخيصُ النكتة: أن الرُّسل إما أنهم عَلِموا الحقائقَ الخبريَّة والطلبيَّة، أو لم يَعْلَمُوها. وإذا عَلِمُوها, فإما أنه كان يُمْكِنُهم بيانُها بالكلام والكتاب، أو لا يُمْكِنُهم ذلك. وإذا أمكَنهم ذلك, فإما أن يُمْكِنَ للعامة أو للخاصة (٢).
فإن قال: إنهم لم يَعْلَمُوها، وأن الفلاسفة والمتكلِّمين أعلمُ بها منهم، وأحسنُ بيانًا لها منهم= فلا ريب أن هذا قولُ الزنادقة المنافقين، وسنتكلَّمُ معهم بعد هذا (٣) , إذ الخطابُ هنا لبيان أن هذا قولُ الزنادقة، وأنه لا يقولُه إلا منافقٌ أو جاهل.
وإن قال: إن الرُّسلَ مقصودُهم صلاحُ عموم الخلق، وعمومُ الخلق لا يُمْكِنُهم فهمُ هذه الحقائق الباطنة، فخاطَبوهم بضرب الأمثال لينتفعوا بذلك، وأظهَروا الحقائقَ العقليةَ في القوالب الحِسِّية، فتضمَّن خطابُهم عن الله وعن اليوم الآخر من التَّخييل والتَّمثيل للمعقول بصورة المحسوس ما
(١) كذا في الأصل, والجادة: الظاهرون.
(٢) غُيِّرت في (ط) إلى: «فإما أن يمكن للعامة وللخاصة أو للخاصة فقط».
(٣) (ص: ١٤٨، ٢٢٥).