وقد قرَّرنا في «قاعدة السُّنة والبدعة» (١) أن البدعة في الدِّين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمرَ إيجابٍ ولا استحباب.
فأما ما أمر به أمرَ إيجابٍ أو استحباب، وعُلِمَ الأمرُ به بالأدلة الشرعية، فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك.
وسواءٌ كان هذا مفعولًا على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو لم يكن.
فما فُعِلَ بعده بأمره ــ مِن قتال المرتدِّين والخوارج المارقين وفارس والرُّوم والتُّرك، وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب, وغير ذلك ــ هو مِن سُنَّته.
ولهذا كان عمرُ بن عبد العزيز يقول: «سَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -وولاةُ الأمر بعده (٢) سُنَنًا الأخذُ بها تصديقٌ لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعة الله، وقوَّةٌ على دين الله, ليس لأحدٍ تغييرُها ولا النظرُ في رأي من خالفها، من اهتدى بها فهو مهتدٍ, ومن استنصَر بها فهو منصور, ومن خالفها واتَّبع غيرَ سبيل المؤمنين ولَّاه الله ما تولى وأصلاه جهنَّم وساءت مصيرًا» (٣).
(١). أشار إليها في «الاستقامة» (١/ ٥) , و «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٣٧١, ٢١/ ٣١٩). وذكرها ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (٧٣) , وابن رُشَيِّق في «أسماء مؤلفات ابن تيمية» (٣٠٦ - الجامع لسيرة شيخ الإسلام) , ولم أقف عليها. وقد حرَّر القول في البدعة في «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢/ ٨٢ - ١٢٠).
(٢). سقطت من الأصل, وزيادتها لازمة, إذ هي موضع الشاهد. وهي في مصادر تخريج الأثر, و «الفتوى الحموية» (٣٠٢).
(٣). أخرجه الآجري في «الشريعة» (٩٢, ٦٩٨) , وابن بطه في «الإبانة» (١/ ٣٥٢) , وأبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٣٢٤) , وغيرهم من طريق مالك عن عمر, ولم يسمع منه. وروي من وجه آخر يحسَّنُ به عند اللالكائي في «أصول اعتقاد أهل السنة» (١٣٤) وفي إسناده ضعف.