وأما استعمالُ اسم «العلَّة» في الموجِب للشَّيء أو المقتضي له فهو من عُرْف أهل الكلام، وهي وإن كان بينها وبين العلَّة اللغويَّة مناسبةٌ من جهة التغيُّر فالمناسبةُ في لفظ «التولُّد» أظهر؛ ولهذا كان في الخطاب أشهَر, يقول الناس: هذا الأمرُ يتولَّدُ عنه كذا، وهذا يولِّدُ كذا، وقد تولَّدَ عن ذلك الأمر كَيت وكَيت، لكلِّ سببٍ اقتضى مسبَّبًا من الأقوال والأعمال، حتى أهلُ الطبائع (١) يقولون: «الأركان والمولِّدات»، يريدون ما يتولَّدُ عن الأصول الأربعة: التراب والماء والهواء والنار= من معدنٍ ونباتٍ وحيوان.
فنفيُه سبحانه عن نفسه أن يَلِدَ شيئًا اقتضى ألا يتولَّد عنه شيء، ونفيُه أن يتَّخذ ولدًا يقتضي أنه لم يفعل ذلك بشيءٍ من خلقه على سبيل التكريم، وأن العباد لا يصلُح أن يتَّخذ شيئًا منهم بمنزلة الولد, وهذا يبطِلُ دعوى من يدَّعي مثلَ ذلك في المسيح وغيره، ومن يقول: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ} المائدة: ١٨، ومن يقول: الفلسفة هي التشبُّه بالإله (٢).
(١) ويقال لهم: الطبائعية والطبائعيون, وهم طائفة من الفلاسفة تثبت في الأجسام قوة هي مبدأ الحركة, وتنكر المعاد, ومنهم من يجحد الصانع ولا يقر بوجود واجب غير العالم. انظر: «المنقذ من الضلال» للغزالي (٧٦) , و «أبكار الأفكار» للآمدي (٢/ ٢٦١) , و «الصفدية» (٢/ ٢١٤) , و «منهاج السُّنة» (٣/ ٢٨٦) , و «درء التعارض» (٥/ ١٦٨, ٧/ ١٩٥) , و «جامع المسائل» (٣/ ٢٢٣) , و «مجموع الفتاوى» (٢/ ٤١, ١٢/ ١٨٩).
(٢) على قدر الطاقة, كما تقول الفلاسفة. انظر: «رسالة في حدود الأشياء ورسومها» للكندي (١٢٢ - رسائله) , و «رسائل إخوان الصفا» (١/ ٣٤٢) , و «تحقيق ما للهند من مقولة» للبيروني (٢٢) , و «المطالب العالية» للرازي (٧/ ٣٠٠, ٣٦٣).