وبسَط الكلامَ في مسألة اللفظ إلى أن قال: فأما غيرُ من ذكرناه من الأئمة فلم ينتحِل أحدٌ مذهبَهم, فلذلك لم نتعرَّض للنقل عنهم.
قال: فإن قيل: فهلا اقتصرتم إذًا على النقل عمَّن شاع مذهبُه وانتُحِلَ اختيارُه من أصحاب الحديث، وهم الأئمة: الشافعي ومالك والثوري وأحمد، إذ لا نرى أحدًا ينتحِلُ مذهبَ الأوزاعيِّ والليث وسائرِهم؟
قلنا: لأن مَن ذكرناه من الأئمَّة سوى هؤلاء أربابُ المذاهب في الجملة، إذ كانوا قدوةً في عصرهم، ثم اندرجت مذاهبُهم بالآخِرة (١) تحت مذاهب الأئمَّة المعتبرة.
وذلك أن ابن عيينة كان قُدوة، ولكن لم يصنِّف في الذي كان يختارُه من الأحكام، وإنما صنَّف أصحابُه، وهم الشافعيُّ وأحمد وإسحاق، فاندرَج مذهبُه تحت مذاهبهما (٢).
وأما الليث بن سعد، فلم يَقُم أصحابه بمذهبه، قال الشافعي: «لم يُرْزَق الأصحابَ» (٣) , إلا أن قوله يوافقُ قولَ مالكٍ أو قولَ الثوريِّ لا يخطئهما،
(١). في الأزمنة المتأخرة بعد انقضاء عصرهم.
(٢). كذا في الأصل, يعني الشافعي وأحمد, لأن إسحاق ممن اندرج مذهبه تحت مذهب أحمد كما سيأتي.
(٣). قال الشافعي: «الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به» , أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي» (١/ ٥٢٤). وفي رواية: «ضيَّعه أصحابه» , أخرجها أبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (١/ ٤٠٦). وانظر: «المرحمة الغيثية بالترجمة الليثية» لابن حجر (٢/ ٢٤٣, ٢٤٧ - الرسائل المنيرية).