ميزانكم عنه, وأما عوامُّ علمائكم فيكذِّبون به ويردُّونه، وإن كان منطقُكم يَرُدُّ عليهم، فلستُم بتحريف أمر منطقكم بأحسن حالًا من اليهود والنصارى في تحريف كتاب الله الذي هو في الأصل حقٌّ هادٍ لا ريبَ فيه، فهذا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأيضًا، هم متَّفقون على أنه لا يفيدُ إلا أمورًا كليةً مقدَّرةً في الذهن، لا يفيدُ العلمَ بشيءٍ موجودٍ محقَّقٍ في الخارج إلا بتوسُّط شيءٍ آخر غيره, والأمورُ الكليةُ الذهنيةُ ليست هي الحقائق الخارجية، ولا هي أيضًا علمًا بالحقائق الخارجية؛ إذ لكلِّ موجودٍ حقيقةٌ يتميَّز بها عن غيره هو بها هو (١)، وتلك ليست كلِّية، فالعلمُ بالأمر المشترك لا يكون علمًا بها، فلا يكونُ في القياس المنطقي علم تحقيقه بشيء (٢) من الأشياء, وهو المطلوب.
وأيضًا، هم يطعنون في قياس التمثيل، وقد يقولون: إنه لا يفيدُ إلا الظنَّ، وربما تكلَّموا على بعض الأقيسة الفرعية أو الأصلية التي تكونُ مقدِّماتها ضعيفةً أو مظنونة، مثل كلام السُّهْرَوَرْدِي (٣) المقتول على الزَّندقة,
(١) انظر: «درء التعارض» (٣/ ٣٦٠) , و «مجموع الفتاوى» (٢/ ٤٢٣).
(٢) كذا في الأصل, وأصلحها الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة إلى «تحقيق شيء» وعلق عليها بقوله: يعني أن العلم بالحقائق الذهنية الكلية التي تعلم بالمنطق وهي مشتركة بين أشياء كثيرة لا يفيد العلم بحقائقها الخارجية التي يتميز بها بعضها عن بعض, فالمنطق لا يفيد العلم بحقائق الأشياء الخارجية. فتعقبه الشيخ سليمان الصنيع بأن الواجب المحافظة على الأصول, وما وقع في الأصل صحيح, ومعناه: أن القياس المنطقي لا يفيد العلم ما دام تحقيقه بشيء من الأشياء.
(٣) شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك الفيلسوف الإشراقي, قتل بفتوى من علماء عصره سنة ٥٨٧. انظر: «عيون الأنباء» (٢/ ١٦٧) , و «السير» (٢١/ ٢٠٧). وهو غير شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد السهروردي شيخ الصوفية صاحب «عوارف المعارف» المتوفى سنة ٦٣٢.