فلو كانوا موحِّدين بالقول والكلام ــ وهو أن يَصِفُوا الله بما وصفَته به رسلُه ــ لكان معهم التوحيدُ دون العمل، وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة، بل لا بدَّ من أن يُعبد الله وحده ويُتَّخَذ إلهًا دون ما سواه، وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فكيف وهم في القول والكلام معطِّلون جاحدون، لا موحِّدون ولا مخلصون؟!
وأما الإيمانُ بالرُّسل فليس فيه للمعلِّم الأول وذويه كلامٌ معروف، والذين دخلوا في المِلَل منهم آمنوا ببعض صفات الرُّسل وكفروا ببعض.
وأما اليوم الآخر، فأحسنُهم حالًا من يقرُّ بمعاد الأرواح دون الأجساد, ومنهم من ينكرُ المعادَين جميعًا, ومنهم من يقرُّ بمعاد الأرواح العالِمة دون الجاهلة. وهذه الأقوال الثلاثة لمعلِّمهم الثاني أبي نصر الفارابي (١)، ولهم فيه من الاضطراب ما يُعْلَمُ به أنهم لم يهتدوا فيه لصوابٍ, وقد أضلُّوا بشبهاتهم من المنتسبين إلى المِلَل من لا يحصي عددَه إلا الله.
فإذا كان ما به تحصلُ السَّعادةُ والنجاةُ من الشَّقاوة ليس عندهم أصلًا، كان ما يأمرون به من الأخلاق والأعمال والسياسات كما قال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} الروم: ٧.
وأما ما يذكرونه من العلوم النظرية فالصوابُ منها منفعتُه في الدنيا, وأما العلم الإلهيُّ فليس عندهم منه ما تحصلُ به النجاةُ والسعادة، بل وغالب ما
(١) انظر: «آراء أهل المدينة الفاضلة» (١٤٦) , و «شرح الأصبهانية» (٧٢١) , و «الجواب الصحيح» (٦/ ١١) , و «الصفدية» (٢/ ٢٦٦) , و «الرد على المنطقيين» (٤٥٨) , و «مجموع الفتاوى» (٢/ ٨٦).