صحَّتَه؛ لأن الذي يذكرُه يحتاجُ إلى معرفةٍ بغير حدٍّ وهي متعذِّرة (١)، فلا يكونُ لبني آدم شيءٌ من المعرفة. وهذه سفسطةٌ غاية (٢).
الثالث: أن المتكلِّمين بالحدود طائفةٌ قليلةٌ في بني آدم، لا سيَّما الصِّناعة المنطقية، فإن واضعها أرسطو، وسَلَك خلفه فيها طائفةٌ من بني آدم. ومن المعلوم أن علومَ بني آدم عامَّتِهم وخاصَّتِهم حاصلةٌ بدون ذلك؛ فبَطَل قولهم: إن المعرفة متوقفةٌ عليها.
أما الأنبياء فلا ريب في استغنائهم عنها، وكذلك أتباعُ الأنبياء من العلماء والعامَّة؛ فإن القرون الثلاثة من هذه الأمة الذين كانوا أعلمَ بني آدم علومًا ومعارفَ لم يكن تكلُّف هذه الحدود من عادتهم، لم يبتدعوها,
ولم تكن عُرِّبَت الكتبُ الأعجميةُ الرُّوميةُ لهم، وإنما حدثت مِن مبتدعة المتكلمين والفلاسفة، ومن حين حدثت فيهم (٣) صار بينهم من الاختلاف والجهل ما لا يعلمُه إلا الله.
وكذلك علمُ الطبِّ والحساب وغير ذلك، لا تجدُ أئمَّة هذه العلوم يتكلَّفون هذه الحدودَ المركَّبة من الجنس والفصل إلا من خَلَط ذلك بصناعتهم من أهل المنطق.
(١). الأصل: «متعددة». تحريف.
(٢). أي غاية السفسطة ومنتهاها. والكلمة غير محررة في الأصل, رسم الحرف الثالث قريب من اللام, ويحتمل أن تكون: عظيمة أو غالية. وفي (ط): «سفسطة ومغالطة». وفي «الرد على المنطقيين» (٨): «وهذا من أعظم السفسطة».
(٣). الأصل: «بينهم». وهو خطأ.