وكذلك النطقُ هو للنفس بالتمييز (١) والمعرفة والكلام النفساني، وهو للجسم أيضًا بتمييز القلب ومعرفته والكلام اللساني.
فكلٌّ من جسمه ونفسه يوصفُ بهذين الوصفين، وليست حركةُ نفسه وإرادتُها ومعرفتُها ونطقُها مثلَ ما للفَرَس، وإن كان بينهما قدرٌ مشترك، وكذلك ما يقومُ بجسمه من الحسِّ والحركة الإرادية ليس مثلَ ما للفَرَس، وإن كان بينهما قدرٌ مشترك، فإن الذي يلائمُ جسمَه من مطعمٍ ومشربٍ وملبَسٍ ومنكَحٍ ومشمومٍ ومرئيٍّ ومسموعٍ بحيث يُحِسُّه ويتحرَّكُ إليه حركةً إراديةً ليس هو مثل ما للفَرَس.
فالحسُّ والحركةُ الإرادية هي بالمعنى العامِّ لجميع الحيوان، وبالمعنى الخاصِّ ليس إلا للإنسان، وكذلك التمييزُ سواء؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحبُّ الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقُ الأسماء الحارثُ وهمَّام، وأقبحُها حربٌ ومُرَّة» رواه مسلم (٢).
فالحارثُ هو العاملُ الكاسِبُ المتحرِّك، والهمَّام هو الدائم الهمِّ الذي هو مقدَّم الإرادة (٣)، فكلُّ إنسانٍ حارثٌ فاعلٌ بإرادته، وكذلك مسبوقٌ بإحساسه.
(١). الأصل: «بالتميز». وستأتي على الصواب.
(٢). روى مسلم (٢١٣٢) صدر الحديث, أما قوله: «وأصدق الأسماء ... » فمرسلٌ سبق تخريجه (ص: ٤٩).
(٣). انظر: «درء التعارض» (٩/ ٣٧٣) , و «منهاج السنة» (٣/ ٦٣) , و «شرح الأصبهانية» (١١٥) , و «مجموع الفتاوى» (٧/ ٤٣, ١٠/ ٦٤, ١٩٦, ٢٠/ ١٢٣).