منفعة، وأحسنُ أحوال صاحبه أن يكون بمنزلة العامِّيِّ، وإنما العلمُ في جواب السؤال (١).
ولهذا تجدُ غالبَ حججهم تتكافأ؛ إذ كلٌّ منهم يقدحُ في أدلة الآخر.
وقد قيل: إن الأشعريَّ ــ مع أنه مِن أقربهم إلى السُّنة والحديث وأعلمهم بذلك ــ صنَّف في آخر عمره كتابًا في تكافؤ الأدلة (٢) , يعني أدلَّة الكلام، فإن ذلك هو صناعته التي يحسِنُ الكلامَ فيها.
وما زال أئمَّتهم يخبرون بعدم الأدلة والهدى في طريقهم، كما ذكرناه عن أبي حامدٍ وغيره، حتى قال أبو حامد الغزالي: «أكثرُ الناس شكًّا عند الموت أهلُ الكلام» (٣).
(١) انظر: «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل» (٥, ٦).
(٢) لم أر من نسب للأشعري هذا الكتاب, ويظهر من عبارة المصنف أنه لم يقف عليه, والذي ذكره في «التسعينية» (٧٧٣, ٩٩٦) أن أبا الحسن أقر في آخر عمره بتكافؤ الأدلة, اعتمادًا على ما رواه أبو إسماعيل الأنصاري في «ذم الكلام» (١٤٥٦) عن زاهر بن أحمد السرخسي. وانظر: «بيان تلبيس الجهمية» (٤/ ٤١٦). والمشهور أن حيرة أبي الحسن وتكافؤ الأدلة عنده كانت سبب رجوعه عن الاعتزال وتأليفه الكتب, وإن كان أئمة الأشاعرة المتأخرين (كالرازي وغيره) يصيرون إلى القول بتكافؤ الأدلة في المسائل الكبار, كدليل حدوث الأجسام وغيره. انظر: «التسعينية» (٧٧٢, ٧٧٣) , و «درء التعارض» (١/ ١٦٤) , و «الصفدية» (١/ ٩٩, ٢٩٤) , و «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ٢٩١) , و «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (١/ ٣٧٥, ٣٨١).
(٣) لم أقف عليه, وذكر في «المنقذ من الضلال» (١٢٥) أن علم الكلام ليس كفيلًا بتبديد ظلمات الحيرة في اختلاف الخلق.