وهذا أبو عبد الله الرازي من أعظم الناس في هذا الباب, باب الحَيْرة والشكِّ والاضطراب, لكن هو مسرفٌ في هذا الباب بحيث له نَهْمةٌ (١) في التشكيك دون التحقيق (٢)، بخلاف غيره فإنه يحقِّقُ شيئًا ويَثْبُتُ على نوعٍ من الحق، لكنَّ بعض الناس قد يَثْبُتُ على باطل, والشكُّ في الباطل خيرٌ من الثبات على اعتقاده, لكن قلَّ أن يَثْبُتَ أحدٌ على باطلٍ محضٍ بل لا بدَّ فيه من نوعٍ من الحق.
وكان من فضلاء المتأخرين وأبرعِهم في الفلسفة والكلام ابنُ واصل الحَمَوي (٣)، كان يقول: «أستلقي على قَفايَ وأضعُ المِلْحَفة على نصف وجهي، ثم أذكر المقالاتِ وحججَ هؤلاء وهؤلاء واعتراضَ هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجرُ ولم يترجَّح عندي شيء» (٤).
ولهذا أنشد الخطَّابي (٥):
(١) تحرفت في (ط) إلى: «إنه يتهم». وعلى الصواب في (ف).
(٢) انظر لطريقة الرازي في التشكيك وإيراد الشُّبه: «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ١١) , و «الصواعق المرسلة» (١٠٧٩) , و «ذيل الروضتين» (١٠٥) , و «الوافي» (٤/ ٢٥١) , و «العواصم والقواصم» (٧/ ٥١, ٥٤) , و «لسان الميزان» (٦/ ٣١٩).
(٣) جمال الدين, قاضي حماة (ت: ٦٩٧). قال الذهبي: «كان من أذكياء العالم». «تاريخ الإسلام» (١٥/ ٨٦٤).
(٤) انظر: «درء التعارض» (١/ ١٦٥, ٣/ ٢٦٣) , و «الصواعق المرسلة» (٨٤٢).
(٥) في «الغنية عن الكلام وأهله». انظر: «فتح الباري» لابن رجب (٧/ ٢٣٨) , و «صون المنطق والكلام» (١٤٦).
وأصله لابن الرومي, في ديوانه (١١٣٩) و «زهر الآداب» (٩٢٢):
لذوي الجدال إذا غَدَوا لجدالهم ... حججٌ تضلُّ عن الهدى وتجورُ
وُهُنٌ كآنية الزُّجاج تصادمت ... فهَوَتْ، وكلٌّ كاسرٌ مكسورُ