ثم أخذ الشَّيخ -رحمه الله- يبث العلم وينشره في القاهرة، والخلق يقرؤون عليه، ويستفتونه ويجيبهم بالكلام والكتابة، واستمر على ذلك إلى أن عاد إلى دمشق في اليوم الأول من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ومعه أخواه وجماعة من أصحابه، وكانت مدة غيبته عنها سبع سنين وسبع جمع (1).
وبعد وصوله دمشق واستقراره بها زاول نشاطه العلمي، فصنف الكتب، وأفتى النَّاس بالكلام والكتابة المطولة، ونفع الخلق، والإحسان إليهم، والاجتهاد في الأحكام الشرعيّة، فصار -رحمه الله- يفتي بما قام الدليل عليه عنده (2).
وفي منتصف شهر ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة، أشار القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي، على الشَّيخ بترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل الشَّيخ إشارته، وعرف نصيحته، وأجاب إلى ذلك.
وفي مستهل شهر جمادى الأولى من هذه السنة ورد كتاب السلطان بمنع الشَّيخ من الإفتاء في هذه المسألة، فامتنع الشَّيخ فترة، لكنَّه عاد إلى الإفتاء بذلك، وقال: لا يسعني كتمان العلم.
وفي شهر رمضان من السنة المذكورة، اجتمع القضاة والفقهاء عند نائب السلطان بدار السعادة، وأحضر الشَّيخ، وعوتب على فتياه بعد المنع، وأكد عليه المنع مرَّة أخرى.
وفي شهر رجب من سنة عشرين وسبعمائة، اجتمع القضاة والفقهاء وجماعة من المفتين بدار السعادة، وحضر الشَّيخ، وعاودوه في الإفتاء بمسألة الطلاق، وعاتبوه على استمراره في الإفتاء بها، وحبسوه بالقلعة، وبقي بها خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا.
ثم ورد مرسوم بإخراجه يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين وسبعمائة.