وأخبره بطلب الخليفة، فاعتل الإمام أحمد بضعفه وكبره، ولكن المتوكل أكد على حضوره إليه، وبعث إليه بكتاب مفاده أنه يريد الإنس به وبقربه.
فخرج الإمام أحمد من بغداد إلى الخليفة المتوكل (1)، وعند وصوله أكرمه إكرامًا عظيمًا -يستحقه- يرحمه الله- لكنه اعتبر ذلك ابتلاء وامتحانًا له -أيضًا- فكان لا يقبل ما يغدق به الخليفة عليه، ويقول: "سلمت منهم طول عمري، ثم ابتليت بهم في آخره".
فلما رأوا منه عدم قبول الترف وملاذ الدنيا، أذنوا له بالرجوع إلى بغداد، وكان الخليفة يوفد إليه في أمور تقع له يشاوره فيها، ويسأل عنه ويطمئن عليه، إلى أن توفي (2) -رحمه الله رحمة واسعة.
وقد كتب المتوكل إلى الإمام أحمد يسأله عن القول بالقرآن، سؤال المسترشد المستفيد، لا سؤال المتعنت الممتحن، فكتب -إليه الإمام أحمد- رسالة حسنة (3)، أبان فيها ما يجب اعتقاده في هذه المسألة، وضمنها بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان (4).
وبعد هذا العرض لقضية الفتنة المتعلقة ببدعة القول بخلق القرآن نتعرف على موقف شيخ الإسلام في هذا الكتاب من هذه القضية، ويتمثل ذلك فيما يلي:
1 - نظر شيخ الإسلام إلى موقف الخلفاء ومن تبعهم الذين أرادوا أن يلزموا الناس بأمر لم يرد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحكم على موقفهم بأنه لا يجوز منهم هذا الإلزام للناس، واستدل على ذلك بمواقف لسلف هذه الأمة من أمور لها الصفة نفسها في عدم وجودها في كتاب الله أو سنة رسوله، وكان فعلهم منسجمًا مع هذا الحكم، فقال رحمه الله في ذلك:
"ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس ويوجب عليهم إلّا ما أوجبه الله