وأيضًا: فإنَّ الأصلَ النافي الذي هو الاستصحاب قد انفسخ بقيام ما يقتضي الإيجاب، فإن لم يُبَيَّن ما (١) يَفسخ هذا المقتضي، أو يَمنع اقتضاءَه، وإلا فهو كالمستدلِّ على نفي الإيجاب أو التحريم بالأصل النافي بعد قيام دليل الإيجاب أو التحريم.
إذا تبيَّن لك هذا تبيَّن ضعفُ الاستدلالِ بالاستصحاب في مسألة المنفرد؛ لكن في الجملة قد يتَّفِق الاستدلالُ به في المناظرة؛ لكون المستدل لا يعترف بقيام السبب.
ونحن نتكلَّم على كلام المنصف:
قال: "عدم وجوب الكفَّارة عليه في الماضي من الزمان مما يوجبُ العدمَ في هذا الزمان".
وعدم الوجوب في هذا الزمان، وعدمُ الوجوب (٢) متحقِّقٌ في الماضي، فيتحقَّقُ موجَبه؛ لأن عدم الوجوب كان متحقِّقًا في الزمان الماضي قبلَ جِماعِه، أو في الزمان الماضي قبل مبعث نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فتحقَّقَ في هذا الزمان؛ لأنَّ عدمَ الوجوبِ إن أوجبَ العدم في هذا الزمان فهو المدَّعَى، وإن لم يوجِبْه فإنَّه يوجبه في جميع الأزمان، لما سيأتي.
قال: "أو يُقال: العدمُ متحقِّق في أحدِ الزمانَيْن، وذلك يوجبُ تحقُّقَه في الحال، أو في سائر الأزمان".
لأنه إن كان متحقِّقًا في الحال فهو أحد الزمانين، وذلك يوجبُ تحقُّقَه في
(١) الأصل: "لم" ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) كذا في الأصل، ولعل في الكلام سقطًا.