دع الخمر واشرب من مدامة حيدر ... معنبرة خضراء مثل الزبرجد
يعاطيكَها ظبي من الترك أغيد ... يميسُ على غصنٍ من البانِ أملدِ
فتحسبها في كفِّه إذ يديرها ... كرقم عذار فوق خدِّ مورَّد
يرنحها أَدنى نَسيم تنسَّمت ... فتهفو إلى بردِ النَّسيم المرود
وتشدو على أغصانها الوُرقُ في الضحى ... فيطربها سجع الحمامِ المغرّدِ
هي البِكْرُ لَمْ تُنْكَح بماءِ سحابةٍ ... ولا عُصرتْ يومًا برجلٍ ولا يدِ
ولا عبثَ القسيس يومًا بكَأْسها ... ولا قرَّبوا مِنْ دنّها كلَّ مقعدِ
ولَا نصَّ في تحريمها عندَ مالكٍ ... ولا هي عند الشافعيّ وأحمدِ
ولا أثبت النُّعمانُ تنجيسَ عينهِا ... فخُذْها بحدّ المشرفي المهنَّدِ
وكف أكف الهمّ بالكيفِ واسترحْ ... ولا تطرحن يومَ السرورِ إلى غدِ (١)
لقد أدخل الصوفية الحشيشة إلى العالم الإسلامي منذ القرن السادس الهجري، ولا زالت أمتنا تعاني من آثار هذا المرض الاجتماعي حتَّى اليوم.
- الإدعاء بالإتيان بالخوارق والكرامات
عمَّ بين الصوفية اعتقاد بأن الإنسان إذا ارتاض وجاهد في العبادة، فإنه قد يلتحق بالملائكة الكرام حتّى يطير في الهواء ويمشي على الماء، فبالرياضية حسب اعتقادهم، ينسلخ الصوفي بالكليَّة عن الحظوظ البشرية، وهذا الاعتقاد في أساسه، اعتقاد البراهمة (٢)، ولكنه شاع عند الصوفية، وكانوا يحرصون على نشر الأخبار التي تروي طيران أحدهم في الهواء، فالشيخ أبو يوسف، صفي الدِّين، الحسين بن جمال الدِّين الأنصاري الخزرجي "ارتفع بجلسته إلى العلو قدر قامتين، ودار وسع المجلس الذي كان الصوفية فيه، ثم نزل إلى موضعه! ! " (٣).
(١) المقريزي: الخطط، ٣/ ٤٠.
(٢) الغزي: لطف السمر، ١/ ٣٦٣.
(٣) صفي الدين الخزرجي: سير الأولياء، ٣٠، تحقيق مأمون محمود ياسين وعفت وصال، ط. بيروت.