الجملةِ عبارةٌ عنْ رجلٍ منْ أهلِ الصّلَاحِ بصفةٍ مخصوصةٍ، فالذي يظهرُ فسقُه، وإنْ كانَ على زيِّهِمْ لا يستحقُّ ما وُصِّي بهِ للصُّوفيةِ، ولسنَا نعتبرُ فيهِ الصَّغائرَ.
وأمّا الحرفةُ والاشتغالُ بالكتبِ فيمنعُ الاستحقاق، فالدهقانُ والعاملُ والتاجرُ والصايغُ (١) في حانوتهِ أو دارِهِ، والأجيرُ الذي يخدمُ بأجرهِ، كلُّ هؤلاءِ لا يستحقُّونَ من الموقوفِ على الصوفيَّةِ وَلا ينجَبِرُون بالزيّ والمخالَطَةِ.
وأمَّا الوراقهُ والخياطةُ وما يقربُ منهُمَا ممَّا يَلِيقُ بالصُّوفيَّةِ تعاطيهَا، فإذا تعاطَاها لا في حانوتٍ ولا على جهةِ اكتسابٍ وحرفةٍ، فذلكَ لا يمنعُ الاستحقاقَ وينجبرُ بالمساكنَةِ معَ الاتِّصافِ ببقيةِ الصفاتِ، والقدرةِ علَيها منْ غير مباشَرَةٍ لا تَمنَع.
وأمَّا الوعظُ والتدريسُ، فَلا يُنافي اسمَ التصوُّفِ إذا وُجِدَت بقيَّةُ الأوصافِ منَ الزِّيّ والمساكَنَةِ والفَقرِ، إذ لَا يتناقَضُ صوفيٌّ مُقْرِئٌ، واعظٌ، عالمٌ، مدرِّسٌ (٢)، كلُّ هذا لا يتناقَضُ، ويتناقَضُ أن يُقَالَ دهقانٌ أو تاجِرٌ أو عامِلٌ.
وأما الفَقْرُ، فإنْ زالَ بِغِنًى مفرطٍ يُنسبُ الرجلُ بهِ إلى الثَّروةِ الظَّاهِرَةِ، فَيُمْنَعُ الاستحقاق وإنْ كانَ لَهُ مالٌ، ولكنْ لا يفي دخلُهُ بخرجِهِ، أو لَهُ مالٌ قاصِرٌ عن وجوبِ الزَّكاةِ. وإنْ لم يَكُنْ لَه خرجٌ لمْ يُمْنَع الاستِحقَاق.
قالَ: وهذهِ أُمورٌ لَا دليلَ علَيْهَا إلَّا العَادَاتُ (٣).
(١) في الإحياء "الصانع".
(٢) في الإحياء ٢/ ١٥٣ "وصوفي واعظ وصوفي عالم أو صوفي مدرس".
(٣) الإحياء ٢/ ١٥٣.