الرُّومُ فَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ نَبِيٌّ سِوَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ قَبْلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي بَشَّرَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَرَبُ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُمْ إِخْوَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ حِينَ ذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ جَدَّ الْعَرَبِ: أَنَّهُ يَضَعُ فُسْطَاطَهُ فِي وَسَطِ بِلَادِ إِخْوَتِهِ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ.
وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِنُبُوَّةِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الَّذِي نَصَبَ فُسْطَاطَهُ، وَمُلْكُ أُمَّتِهِ فِي وَسَطِ بِلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهِيَ الشَّامُ الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ مُلْكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ.
فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: فَعِنْدَكُمْ فِي الْقُرْآنِ: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا، وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: يَا أَخَا تَمِيمٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَهَذَا قَوْلُهُ: أُقِيمَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ.
قَالَ الْمُسْلِمُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يُقَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ إِخْوَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي تَمِيمٍ إِخْوَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي هَاشِمٍ إِخْوَةُ بَنِي هَاشِمٍ، وَهَذَا مَا لَا يُعْقَلُ فِي لُغَةِ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، بِخِلَافِ قَوْلِكَ: زِيدٌ أَخُو بَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ أَخُو عَادٍ، وَصَالِحٌ أَخُو ثَمُودَ أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَوْ قِيلَ: عَادٌ أَخُو عَادٍ، وَثَمُودُ أَخُو ثَمُودَ، وَمَدْيَنُ أَخُو مَدْيَنَ، لَكَانَ نَقْصًا، وَكَانَ نَظِيرَ قَوْلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِخْوَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاعْتِبَارُ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْآخَرِ صَرِيحٌ.
قَالَ الْيَهُودِيُّ: أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُقِيمُ هَذَا النَّبِيَّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمُحَمَّدٌ إِنَّمَا أُقِيمَ لِلْعَرَبِ وَلَمْ يُقَمْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَذَا الِاخْتِصَاصُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى غَيْرِهِمْ.
قَالَ الْمُسْلِمُ: هَذَا مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِهِ، فَإِنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ