قَامَ لِدَاوُدَ هُوَ الَّذِي سَمَّى بِالْإِلَهِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لِمَخْلُوقٍ مَصْنُوعٍ مَوْلُودٍ لَا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا جَعَلْنَاهُ إِلَهًا مِنْ جِهَةِ قَوْلِ أَشْعِيَا النَّبِيِّ: قُلْ لِصَهْيُونَ يَفْرَحُ وَيَتَهَلَّلُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُ الشُّعُوبَ، وَيُخَلِّصُ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَيُخَلِّصُ مَدِينَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيُظْهِرُ اللَّهُ ذِرَاعَهُ الطَّاهِرَ فِيهَا لِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُتَبَدِّدِينَ، وَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةٍ، وَيُبْصِرُ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلَاصَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ يَمْشِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيَجْمَعُهُمْ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ.
قِيلَ لَكُمْ: هَذَا يَحْتَاجُ أَوَّلًا إِلَى أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي نُبُوَّةِ أَشْعِيَا بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ لِلَفْظِهِ وَلَا غَلَطٍ فِي التَّرْجَمَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ.
وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ تَامٌّ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَصْنُوعٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، فَإِنَّهُ نَظِيرُ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى وَمُحَمَّدًا إِلَهَيْنِ.
وَالْمُرَادُ مَجِيءُ دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَشَرْعِهِ وَهُدَاهُ وَنُورِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُظْهِرُ اللَّهُ ذِرَاعَهُ الطَّاهِرَ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُتَبَدَّدِينَ، فَفِي التَّوْرَاةِ مِثْلَ هَذَا وَأَبْلَغُ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُبْصِرُ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلَاصَ اللَّهِ لِأَنَّهُ يَمْشِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ يَدَيْهِمْ، فَقَدْ قَالَ فِي التَّوْرَاةِ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَهَابُوهُمْ وَلَا تَخَافُوهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمُ السَّائِرُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَهُوَ مُحَارِبٌ عَنْكُمْ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ مُوسَى: إِنَّ الشَّعْبَ هُوَ شَعْبُكَ، فَقَالَ أَنَا أَمْضِي أَمَامَكَ،