أَلْفَاظٍ وَكَلِمَاتٍ فِي الْكُتُبِ فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ، كَتَسْمِيَتِهِ ابْنًا وَكَلِمَةً وَرُوحَ الْحَقِّ وَإِلَهًا، وَكَذَلِكَ هُوَ رُوحُ الْقُدُسِ، أَمَّا رُوحُ الْقُدُسِ فَهِيَ سِرُّ اللَّهِ وَأَمْرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لِغَيْرِ الْمَسِيحِ.
وَقَدْ أُطْلِقَتْ لِمَعَانٍ مِنْهَا جِبْرِيلُ، وَمِنْهَا اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَمِنْهَا الْوَحْيُ، وَقَدْ أُطْلِقَتْ عَلَى الْمَسِيحِ لِأَنَّ رُوحَهُ لَمْ تُخَالِطْ نُطْفَةً، وَالْقُدُّوسُ هُوَ الطَّاهِرُ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَى الْمَسِيحِ رُوحُ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إِضَافَةُ تَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ: بَيْتُ اللَّهِ وَنَاقَةُ اللَّهِ وَكَمَا كَانَتِ الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ يُطْلِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ، وَمِنْهَا الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ الشَّامِلُ لِكُلِّ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ.
وَأَمَّا الرُّوحُ الَّتِي بِهَا الْحَيَاةُ فَهِيَ النَّفْسُ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ السُّنَّةُ، وَهِيَ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَيُشَاكِلُ الْأَجْسَامَ الْمَحْسُوسَةَ تُحْدَثُ، وَيُخْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ بِفَرَحٍ، لَا تَمُوتُ وَلَا تَفْنَى، وَهِيَ مِمَّا لَهُ أَوَّلٌ وَلَيْسَ لَهُ آخِرٌ كَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَاَلْأَجْسَادُ فِي الْمَعَادِ وَهِيَ بِعَيْنَيْنِ وَيَدِينِ، وَهِيَ ذُو رِيحَةٍ طَيِّبَةٍ أَوْ كَرِيهَةٍ بِحَسْبَ مَحَلِّهَا، وَهِيَ إِمَّا مُنَعَّمَةٌ أَوْ مُعَذَّبَةٌ، وَذَلِكَ غَايَةُ الدَّلِيلِ عَلَى حُدُوثِهَا.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَسِيحُ رُوحَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ ذُو رُوحٍ وَجَدٍّ مِنْ غَيْرِ جُزْءٍ مِنْ ذِي رُوحٍ، كَالنُّطْفَةِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنَ الْأَبِّ الْحَيِّ، وَإِنَّمَا اخْتُرِعَ اخْتِرَاعًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقُدْرَتُهُ خَالِصَةٌ.
وَسُمِّيَ كَلِمَةَ اللَّهِ لِأَنَّهُ وُجِدَ بِكَلِمَتِهِ وَأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَبٍّ وَلَا نُطْفَةٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ.
وَكَذَلِكَ مَا أُطْلِقَ مِنْ حُلُولِ رُوحِ الْقُدُسِ فِيهِ، وَظُهُورِ الرَّبِّ فِيهِ أَوْ فِي مَكَانِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَظِيرِ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مَا يَحِلُّ فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَنُورِهِ وَهُدَاهُ، فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ نَفْسُ ذَاتِ الرَّبِّ،