الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَعَلَامَةُ خَتْمِ دِيوَانِهِمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِي ظَهْرِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بُعِثَ بِالسَّيْفِ الَّذِي تَقَلَّدَ بِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَرْفَعُهُ إِذَا ضَرَبَ بِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: رَئِيسٌ مُسَلَّطٌ قَوِيُّ السَّلَامَةِ، وَهَذِهِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَيَّدِ الْمَنْصُورِ الْمُسَلَّطِ رَئِيسِ السَّلَامَةِ، فَإِنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ سَلِمَ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ وَمِنَ اسْتِيلَاءِ عَدُوِّهِ عَلَيْهِ.
وَالْمَسِيحُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى أَعْدَائِهِ كَمَا سُلِّطَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ كَانَ أَعْدَاؤُهُ مُسَلَّطِينَ عَلَيْهِ قَاهِرِينَ لَهُ حَتَّى عَمِلُوا بِهِ مَا عَمِلُوا عِنْدَ الْمُثَلِّثَةِ عُبَّادِ الصَّلِيبِ. فَأَيْنَ مُطَابَقَةُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِلْمَسِيحِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؟ وَهِيَ مُطَابِقَةٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ الَّذِي سُلْطَانُهُ كَامِلٌ لَيْسَ لَهُ فَنَاءٌ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ مُحَمَّدًا إِلَهًا بَلْ هُوَ عِنْدَكُمْ عَبْدٌ مَحْضٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ عَبْدٌ مَحْضٌ، وَالْعُبُودِيَّةُ أَجَلُّ مَرَاتِبِهِ، وَاسْمُ الْإِلَهِ مِنْ جِهَةِ التَّرَاجِمِ جَاءَ، وَالْمُرَادُ بِهِ السَّيِّدُ الْمُطَاعُ لَا إِلَهَ لَهُ، الْمَعْبُودُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ.
وَإِنْ أَوْجَبْتُمْ لَهُ الْإِلَهِيَّةَ مِنْ قَوْلٍ أَشْعِيَا فِيمَا زَعَمْتُمْ: هَا هِيَ الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا يُدْعَى اسْمَهُ عَمَانْوِيلَ، وَعَمَانُوئِيلُ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ تَفْسِيرُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ: إِلَهُنَا مَعَنَا.
فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ أَنَّهُ إِلَهٌ.
قِيلَ لَكُمْ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذَا الْكَلَامِ وَتَفْسِيرِهِ: لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَذْرَاءَ وَلَدَتْ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَلِدُ ابْنًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ النَّبِيِّينَ لَيْسَ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.