الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّهُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ وَلَا يَخَافُ عِبَادُهُ مِنْهُ ظُلْمًا.
فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَهُوَ مِنَ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ شَرِيعَةٌ بِخِلَافِهِ وَلَا يُخْبِرَ نَبِيٌّ بِخِلَافِهِ أَصْلًا.
فَتَرَكَ الْمُثَلِّثَةُ عُبَّادُ الصَّلِيبِ هَذَا كُلَّهُ، وَتَمَسَّكُوا بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْمَعَانِي وَالْمُجْمَلِ مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَأَقْوَالِ مَنْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وَأُصُولُ الْمُثَلِّثَةِ وَمَقَالَتُهُمْ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ تُخَالِفُ هَذَا كُلَّهُ أَشَدَّ الْمُخَالَفَةِ وَتُبَايِنُهُ أَعْظَمَ الْمُبَايَنَةِ.
فَصْلٌ: فِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَطَلَتْ نُبُوَّةُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَظُهُورُ نُبُوَّتِهِ تَصْدِيقٌ لِشَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةٌ لَهُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِرْسَالُهُ مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فِي قَوْلِهِ: بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ.
فَإِنَّ الْمُرْسَلِينَ بَشَّرُوا بِهِ وَأَخْبَرُوا بِمَجِيئِهِ، فَمَجِيئُهُ هُوَ نَفْسُ صِدْقِ خَبَرِهِ، فَكَأَنَّ مَجِيئَهُ تَصْدِيقٌ لَهُمْ إِذْ هُوَ تَأْوِيلُ مَا أَخْبَرُوا بِهِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ: إِنَّ تَصْدِيقَهُ الْمُرْسَلِينَ بِشَهَادَتِهِ بِصِدْقِهِمْ وَإِيمَانِهِ بِهِمْ، فَإِنَّهُ صَدَّقَهُمْ بِقَوْلِهِ وَمَجِيئِهِ فَشَهِدَ بِصِدْقِهِمْ بِنَفْسِ مَجِيئِهِ، وَشَهِدَ بِصِدْقِهِمْ بِقَوْلِهِ. وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الْمَسِيحِ: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.