قُلْتُ: فَتَأَمَّلْ رَفْعَ قَوْلِهِ {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن: ٢٧ عِنْدَ ذِكْرِهِ الْوَجْهَ، وَجَرِّهِ فِي قَوْلِهِ {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن: ٧٨ فَذُو الْوَجْهِ الْمُضَافُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ الْإِخْبَارَ عَنْهُ، وَذِي الْمُضَافُ إِلَيْهِ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فِي آخِرِ السُّورَةِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ عَيْنَ الْمُسَمَّى دُونَ الِاسْمِ فَتَأَمَّلْهُ.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِ الْأُمَمِ وَجْهُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى ذَاتِهِ وَنَفْسِهِ، وَغَايَةُ مَا شَبَّهَ بِهِ الْمُعَطِّلُ وَجْهَ الرَّبِّ أَنْ قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: وَجْهُ الْحَائِطِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَوَجْهُ النَّهَارِ، وَوَجْهُ الْأَمْرِ (فَيُقَالُ) لِهَذَا الْمُعَطِّلِ الْمُشَبِّهِ: لَيْسَ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى الذَّاتِ بَلْ هَذَا مُبْطِلٌ لِقَوْلِكَ فَإِنَّ وَجْهَ الْحَائِطِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ فَهُوَ مُقَابِلٌ لِدُبُرِهِ، وَكَمِثْلِ هَذَا وَجْهُ الْكَعْبَةِ وَدُبُرُهَا، فَهُوَ وَجْهٌ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهُ بِحَسْبِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ بِنَاءً كَانَ وَجْهُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَكَذَلِكَ وَجْهُ الثَّوْبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَكَذَلِكَ وَجْهُ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَلَا يُقَالُ لِجَمِيعِ النَّهَارِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَجْهُ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: صَدْرُ النَّهَارِ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَتَيْتُهُ بِوَجْهِ نَهَارٍ وَصَدْرِ نَهَارٍ، وَأَنْشَدَ لِلرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ:
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
وَالْوَجْهُ فِي اللُّغَةِ مُسْتَقْبِلُ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُوَاجَهُ مِنْهُ، وَوَجْهُ الرَّأْيِ وَالْأَمْرِ مَا يَظْهَرُ أَنَّهُ صَوَابُهُ وَهُوَ فِي كُلِّ مَحَلٍّ بِحَسْبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أُضِيفَ إِلَى زَمَنٍ كَانَ الْوَجْهُ زَمَنًا، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى حَيَوَانٍ كَانَ بِحَسْبِهِ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى ثَوْبٍ أَوْ حَائِطٍ كَانَ بِحَسْبِهِ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى مَنْ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الشورى: ١١ كَانَ وَجْهُهُ تَعَالَى كَذَلِكَ.
التَّاسِعُ: أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الثَّوَابِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ الْجَزَاءَ يُسَمَّى وَجْهًا لِلْمَجَازِيِّ.
الْعَاشِرُ: أَنَّ الثَّوَابَ مَخْلُوقٌ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ " «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُضِلَّنِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ الطَّائِفِ: " «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ