وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} الطور: ٢١ فَتَأَمَّلْ كَمْ فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ رَفْعِ إِيهَامٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} الطور: ٢١ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الِاتِّبَاعَ فِي نَسَبٍ أَوْ تَرْبِيَةٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} الطور: ٢١ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْآبَاءَ تُحَطُّ إِلَى دَرَجَةِ الْأَبْنَاءِ لِيَحْصُلَ الْإِلْحَاقُ وَالتَّبَعِيَّةُ، فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} الطور: ٢١ أَيْ: مَا نَقَصْنَا الْآبَاءَ بِهَذَا الِاتِّبَاعِ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِمْ، بَلْ رَفَعْنَا الذَّرِّيَّةَ إِلَيْهِمْ قُرَّةً لِعُيُونِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا تِلْكَ الدَّرَجَةَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} الطور: ٢١ فَلَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا الِاتِّبَاعَ حَاصِلٌ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، بَلْ هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بِكَسْبِهِ وَقَدْ يُثِيبُهُ مِنْ غَيْرِ كَسْبِهِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} الأحزاب: ٣٢ فَلَمَّا أَمَرَهُنَّ بِالتَّقْوَى الَّتِي شَأْنُهَا التَّوَاضُعُ وَلِينُ الْكَلَامِ نَهَاهُنَّ عَنِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِنَّ ذُو الْمَرَضِ، ثُمَّ أَمَرَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الْإِذْنِ فِي الْكَلَامِ الْمُنْكَرِ، لَمَّا نُهِينَ عَنِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: ١٨٧ فَرَفَعَ تَوَهُّمَ فَهْمِ الْخَيْطَيْنِ مِنَ الْخُيُوطِ بِقَوْلِهِ: {مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: ١٨٧ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} التكوير: ٢٨ فَلَمَّا أَثْبَتْ لَهُمْ مَشِيئَةً فَلَعَلَّ مُتَوَهِّمًا يَتَوَهَّمُ اسْتِقْلَالَهُمْ بِهَا فَأَزَالَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الإنسان: ٣٠ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ - فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ - وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} المدثر: ٥٤ - ٥٦ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} التوبة: ١١١ فَلَعَلَّ