الممتنع، وأن يقلب علمه جهلا. وروى الكليني أيضا عن ثابت بن عبد الله عن أبي عبد الله ما ينص على أنه تعالى يريد ضلال بعض عباده إرادة حتم، كما سيجيء إن شاء الله تعالى. ولأنه سبحانه لو أراد الإيمان من الكافر وأراد الكفر من الكافر، وأراد الطاعة من العاصي وأراد منه العصيان، وقد صدر الكفر من الكافر والعصيان من العاصي؛ لزم أن لا يحصل مراد الله تعالى، ويحصل مراد الكافر والعاصي؛ فيلزم أن يكون كل منهما غالبا والله تعالى مغلوب، وهو ضروري البطلان. فقد روى الكليني عن الفتح بن زيد الجرجاني عن أبي الحسن ما ينص على أن إرادة العبد لا تغلب إرادة الله تعالى، سواء كانت إرادة عزم أو إرادة حتم. وروى عن أبي عبد الله وأبي الحسن ما هو ناص على أنه تعالى يريد المعصية من العبد إرادة حتم، فإنه أراد أن يأكل آدم من الشجرة، وأن لا يسجد له إبليس.
وروى عن ثابت بن سعيد ما هو على ذلك أيضا. ولأنه تعالى خلق للعاصي الإرادة والقدرة على خلق أفعاله وجعل له التمكن، كما ذكره المرتضى في درره، فلو أراد بها نفعه وهو يعلم أنه لا ينفعه بل يضره، فذلك عبث وسفه، والله تعالى منزه عن ذلك. ولأن إرادة الممتنع قبيح. ولأنه تعالى أقسم أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، فلو أراد إيمان من يعلم أنه من أصحاب الجحيم فقد أراد أن لا يبر قسمه. ولأنه تعالى لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس، ولم ينظره إلى يوم الوقت المعلوم، ولم يمكنه من الإضلال.
واحتج من خالف أهل الحق بقوله تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} والرضا هو الإرادة.
والجواب أنا لا نسلم أن الرضا هو الإرادة، ولو كان كذلك لكان الله تعالى راضيا بكفر جماعة أخبر بأنه يريد ألا يجعل لهم حظا في الآخرة وأنه يريد أن لا يطهر قلوبهم، وهو باطل بالاتفاق؛ ولأن الإرادة تنفك عن الرضا، كإرادة من إرادته تابعة لإرادة غيره وهو يكره المراد، وإرادة الله تعالى تابعة لإرادة العبد، وإن كانت متقدمة عليها، فأحسن التدبر.
واحتجوا أيضا بأنه لو كانت المعصية مرادة لله تعالى لكان الكافر العاصي مطيعا بكفره ومعصيته، لأن الإطاعة تحصيل مراد المطاع.
والجواب أن الإطاعة تحصيل ما أمر به المطاع، لا تحصيل ما أراد سواء كان مرضيا عنده أو لا. ألا ترى أن الله تعالى أمر إبليس بالسجود لآدم ولم يرد، وأمر إبراهيم بذبح ولده ولم يشأ.
واحتجوا أيضا بأن إرادة القبيح قبيح، وكذا ترك إرادة الحسن.
والجواب أن كون كل منهما قبيحا ممنوع، فإنه لا قبح منه تعالى، كما تقدم. وترك إرادة الحسن إذا علم عدم وقوعه حسن، وإرادته قبيح، لأنها عبث.