ويحكى أن الأنباري عن نفسه فيقول: إنه كان يأخذ الرّطب ويشمه ويقول:
«أما إنّك طيّب، ولكن أطيب منك ما وهب الله عز وجل لي من العلم» «١».
٤ - أبو عمر الزّاهد:
هو أبو عمر: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم اللغوي الزاهد كان من أكابر أهل اللغة، وأحفظهم لها. أخذ عن أبي العباس ثعلب، وكان يعرف بغلام ثعلب.
وقد قال عنه أبو القاسم عبد الواحد بن برهان الأسدي: «لم يتكلم في علم اللغة من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزّاهد». وقال فيه أبو العباس اليشكري يمدحه
أبو عمر أوفى من العلم مرتقى ... يزل مساميه، ويردي مطاوله
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذبا ... بأن لم ير الراءون حبرا يعادله
إلى أن يقول:
إذا قلت شارفنا أواخر علمه ... تفجّر حتى قلت هذي أوائله
«٢» ٥ - أبو سعيد السيرافي:
هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي، كان من ألمع نجوم عصره، فسعى إليه ابن خالويه، وجلس في حلقته، وتأثر به أثرا كبيرا ظهر في منهجه اللغوي والنحوي الذي سنتعرض له فيما بعد، ذلك لأن أبا سعيد كان كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين: «زعيم المحافظين في عصره» «٣» حيث يرى أن اللغة مرجعها الرواية والنقل، لا القياس والعقل. وبهذا المنهج استطاع السيرافي أن يهزم (متّى) المنطقي في مناظرة مشهورة، جعلت الوزير ابن الفرات- وكان مشاهدا لها- يقول في السيرافي: «عين الله عليك أيها الشيخ، فقد ندّيت أكبادا، وأقررت عيونا، وبيّضت وجوها، وحكت طرازا لا يبليه الزمان، ولا يتطرّق إليه الحدثان. «٤»
وبعد، فإذا كان التلميذ صنعة أستاذه، فقد كان حظ ابن خالويه في تكوين شخصيته، وتربية عقله، وسموّ تفكيره، كبيرا، لأنه جلس في حلقات هؤلاء الأعلام الذين ملئوا
(١) نزهة الألباء- ١٨١
(٢) نزهة الألباء: ١٨٩.
(٣) ظهر الإسلام: ٢ - ٩١.
(٤) الامتاع والمؤانسة: ١ - ١٢٨، ١٢٩.