ص ٩٩ قال: (الثاني: أن الشيطان لو تمكَّن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وإفساد أحوالهم).
أقول: من أين يلزم من التمكّن مِن حَمْل رجل، التمكّن مِن حمل جبل؟ والشيطان لا يتمكَّن إلا إن مكَّنه الله تعالى، فإذا مكَّنه الله تعالى من أمر خاص فمن أين يلزم تمكّنه من غيره؟
قال: (والثالث: لِمَ خُصَّ بهذا الاستثناء مريم وعيسى ... )؟
أقول: قد تقدَّم الجواب عن هذا (١).
قال: (الرابع: أن ذلك النخس لو وُجِد لبقي أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء).
أقول: أرأيت إذا عركت أذن الطفل فأَلِمَ وبكى، أيستمر الألم والبكاء؟
ثم ذكر عن الشيخ محمد عبده كلامًا فيه: (فهو من الأخبار الظنية لأنها من رواية الآحاد، ولما كان موضوعها عالم الغيب، والإيمانُ بالغيب من قسم العقائد، وهي لا يؤخذ فيها بالظن لقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} يونس: ٣٦ كنا غير مكلفين الإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا).
أقول: لا نزاع أن الدليل الظنيّ لا يوجب الإيمان القاطع، لكنه يوجب التصديق الظنيّ، وكيف لا وظنّ ثبوت الدليل يوجب ضرورةً ظنّ ثبوت المدلول. أما قوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} النجم: ٢٨ فلي فيه بحثٌ طويل حاصله (٢): أن تدبُّر مواقع «يغني» في القرآن وغيره، وتدبّر
(١) (ص ١٨٧ ــ ١٨٨).
(٢) انظره في «رسائل التفسير» (ص ٢٩٢ - ٣٠٢)، وله أيضًا كلام طويل فيه في رسالة «فرضية اتباع السنة» ضمن رسائل الأصول. كلاهما ضمن هذه الموسوعة.